الجمعة، 11 مايو 2018

انهيار اسعار النفط في العام 1986م ودروس لم نستفد منها



أولاً، يجب ان اتوجه بالشكر الجزيل للدكتور ماجد المنيف على كتابه (النفط بين ارث التاريخ وتحديات القرن الواحد والعشرين) والذي سلط الضوء بشكل مهم على ما جرى وصولاً بنا الى تلك النقطة المهمة من التاريخ من شهر يوليو 1986م.

كنت دائماً مهتماً باستكشاف ما جرَّنا الى تلك النقطة، ليس لاختصاص يربطني بقطاع النفط بشكل مباشر، ولكن – واعتقد ان هذا ينطبق على غالب جيل ما بعد اكتشاف النفط -  كان العام 1986م عاماً صادماً ومفاجئاً للجميع!

لقد كان العام 1986م المواجهة الاولى لجيل ما بعد اكتشاف النفط بان النفط ليس (عارضٌ ممطرنا) في كل احواله، وان تقلباته جارحه وبشكل غائر؛ وقادرة على تضريج التقارير المحاسبية للمؤسسات/الشركات باللون الاحمر، وعلى نطاق عريض - عامة وخاصة وحتى الكبيرة والمستقرة منها – وبلمح البصر!

كيف وصلنا الى يوليو 1986م؟

عندما نشأت السوق الفورية للنفط، بدا ان دول الاوبك كانت لا تزال تحت تأثير نشوتها بامكانية التأثير على مستويات اسعار النفط  وابقاءها عند مستوياتها المرتفعة - التي تسببت فيها بشكل رئيسي حينها الظروف الاستثنائية للثورة الايرانية والحرب العراقية الايرانية التي تبعتها - من خلال التحكم في كميات الانتاج؛ وهو ما اثبتت الايام لاحقاً انه لم يكن اكثر من مجرد اضغاث احلام.

لقد استطاع سعر السوق ان يفرض كلمته – كما يفعل ذلك في كل مرة – ولكن الاستيقاظ على ما جرى جاء متأخراً جداً. فقد حصل بعد ما وصل انتاج المملكة الى 2.2 مليون برميل يومياً  في اغسطس 1985م وهو مستوى يقارب انتاجها في منتصف الستينات - اي بعد شطب جهود عشرون عاماً كاملة!

وقد حاولت المملكة ان تستدرك ما جرى باللجوء الى ميزتها النسبية الاساسية وهي تكلفة انتاجها المنخفضة بدرجة معتبرة عن غيرها، من خلال انتهاج طريقة تسعير تدعى الـ NETBACK حاولت من خلالها جذب اكبر قدر من المشترين لتفضيلها من حيث انها البائع الذي بامكانه ان يقدم لهم هامش ربح اكبر من غيره.

لقد كانت فكرة ذكية بلا شك بالنسبة لسلعة يصعب بدرجة كبيرة ان تجد لها ميزة نسبية تعطيها تفوقا بين المنتجات المنافسة لها؛ ولكن ما لم يكن في الحسبان، هو تدفق واندفاع المنافسة سريعاً الى اعتماد نفس سياسة التسعير، الامر الذي قاد الوضع الى حرب اسعار مدمرة ادت الى انهيار اسعار النفط وصولاً الى 8.85 دولار لسعر برميل النفط العربي الخفيف في يوليو 1986م (وهو سعر الاشارة الذي يستدل به على تسعير بقية المنتجات).

الشاهد مما سبق:

§        اننا لم نتعلم منذ العام 1986م وحتى 2016م – ثلاثون عاماً! - بان النفط ليس (عارضٌ ممطرنا) في كل احواله، وان تقلباته جارحه وبشكل غائر؛ وقادرة على تضريج التقارير المحاسبية للمؤسسات/الشركات باللون الاحمر، وعلى نطاق عريض – عامة وخاصة وحتى الكبيرة والمستقرة منها – وبلمح البصر!

§        ولم نتعلم كذلك ان الميزة النسبية التي نتمتع بها، من كون تكلفة انتاجنا للنفط منخفضة بدرجة معتبرة عن غيرنا، ليست مكاناً مناسباً لاختيار سياسات من شأنها أن تؤجج حروب اسعار دامية - ولو كنا تعلمنا؛ لوفرنا على انفسنا تكرار تجربة مؤلمة مرة اخرى عندما سمحنا للسيد النعيمي لاحقاً ان يجرنا الى حافة الهاوية خلفه في محاولته (الدونكيخوتيَّة) لمحاربة جدوى النفط الصخري.