الخميس، 27 ديسمبر 2012

القضاء على أمية التدبير


لقد ساد ولفترات طويلة الاعتقاد أن المعرفة وحدها تكفي.

بمعنى أنه اذا توفر للشخص المعرفة الكافية، فان الانجاز يصبح في منتهى الوضوح والبساطة. ولكن الواقع في الحقيقة غير ذلك. فان شواهد الواقع لما تزال تؤكد باستمرار أن المعرفة قد تعين بعض الشيء على الانجاز، ولكن المعول الأساس هو في القدرة على التدبير.

ففي سبيل الانجاز هناك أناس لابد من التعامل معهم، هناك قرارات لابد من اتخاذها، هناك استراتيجيات لابد من بناءها ومتابعتها، هناك خطط لابد من وضعها وتطبيقها، هناك أوضاع لابد من تقييمها والاختيار من بينها؛ وكل ذلك يحتاج الى جانب كبير من القدرة على التدبير.

لذلك فانه من الضروري علاج "أمية التدبير" في أي اصلاحات للبرامج التعليمية الجديدة بادراج المهارات المهمة للتدريب على التدبيرضمن مناهجها، مثل: تفهم وجهة نظر الآخر، مراعاة الأولويات، وضع الأهداف، التعرف على البدائل والاختيار بينها، استقراء النتائج، تكوين رؤى مستقبلية، اتخاذ القرارات، معالجة التعارض والاختلاف، الخ.

هل يمكن أن نرى مستهدفا تعليميا يعتني بمحو أمية التدبير بحلول 2025 مثلا، اتمنى ذلك.

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

هل المصالحة بين الدين والعلمانية ممكنة ؟



معظم التباينات بين الدين والعلمانية تسير في غطاء من المواقف الشخصية، ولذلك فانه ليس من السهل مناقشتها أو التعليق عليها لخصوصيتها؛ الا انها في الميدان السياسي مضطرة للظهور في منطقة عامة ومكشوفة، وبالتالي يمكن فحصها ودراستها بوضوح وسهولة.

تظهر المواقف القلقة لكل من الفريقين في الأطراف القصوى لكل منهما، حيث تجد:

§   التشدد الديني تجاه أي تسويات أو تنازلات تمس الأفكار عن الدين –  وليس الدين –  في معالجة القضايا السياسية.

§      والانزعاج والانفعال العلماني الرافض تجاه أي اشارة أو تلميحة الى الدين في أي معالجة.

وبين هذين الموقفين، هناك من يرى ضرورة المصالحة بينهما، ويعتقد أن هذه المصالحة ممكنة ومفيدة، ويقترح بعض الأفكار والمباديء لتحقيق ذلك.

يرى هذا الفريق الأخير أن النجاح العلماني، الحقيقي بلا شك، في نزع فتيل النزاعات الدينية لا يعطيه الحق في انكار أن الدين أيضا تمكن من انجاز العديد من أقوى الحركات السياسية - وعلى المستوى العالمي. وأن العديد من القضايا السياسية لها أساس أخلاقي؛ ولا مجال للمكابرة والانتقاص من قدرة الدين على تقديم اسهام مفيد وايجابي في حلها. كما أن أي خطاب متصادم مع الدين مع الشعوب المتدينة سيظل معزولا عن وجدانها واستجابتها مهما كانت الفائدة التي يدعيها.

وعلى الجانب الآخر، فان التشدد الديني في القضايا السياسية لابد أن يبدي بعض التواضع عندما يدعي قدرته على فهم غاية الله وحكمته في أي أمر، وأن يقبل أن تكون مقترحاته خاضعة من هذا المنطلق للحجة والحوار، وأن يبدي قدرا أكبر من ضبط النفس لمقاومة اغراء اتهام المخالفين في الرأي بسوء النية والانحراف.

ميزة ما سبق أنه يمثل جانب من حزمة الأفكار والمباديء التي حملها معه السيد اوباما الى البيت الأبيض؛ وبالتالي فمهمته تشكل حالة دراسية مهمة في هذا الموضوع تستحق الانتظار والمراقبة خلال السنوات القادمة لتقييم مدى قدرتها فعليا على ايجاد مصالحة بين هذين الطرفين من عدمه.

الخميس، 13 ديسمبر 2012

سعيد الحظ في السياسة ..




§     من استطاع أن يجمع الأموال التي تحتاجها حملته قبل أن تنتزع آخر طبقة من طبقات وجهه.

§    من استطاع أن يحشد أصوات الجمعيات والمنظمات خلفه دون أن يتقيد بدعم مطالبات ومناصرة  قضايا لا يؤمن بها.
§    من استطاع أن يقدم حملة اعلامية ناجحة بدون الحاجة لخلع أنصاف الحقائق لاثارة المتابعين.

§       من استطاع أن يمنع نفسه عن تحالفات مفيدة على حساب مقترحات أكثر فائدة.

§        من استطاع أن يسلم من دعايات خصومه السلبية.

الأحد، 9 ديسمبر 2012

واحة تحقيق الأحلام الطيبة



تمثل المملكة في وسط واقع جيرانها المحروم والمكلوم واحة أمل لتحقيق طموحات الحياة الطيبة. وككل الواحات المثيلة في العالم فانه من المتوقع أن تكون حاشدة بالوافدين.

التوصية الدائمة لجميع هذه الواحات، أن لا تهتم الخطط الرسمية لسوق العمل فيها بالمزيد من دفع المواطن ليكون مزاحما للـ 80% التي تمثل القاعدة العريضة من الوظائف والمهن على حساب الخطط التي تهتم برفع تأهيله لدرجة تلائم المنافسة العالمية مع الـ 20% المتميزة واصحاب الكفاءات الفنية النادرة التي تحيط به في سوق العمل.

نبذل الكثير في الاتجاه الاول، ونحتاج أن نبذل المزيد في الاتجاه الأخير.

الخميس، 29 نوفمبر 2012

قيم المجتمع الأمريكي: اين نتفق واين نختلف ؟


من يلقي بنظرة على هذا الجانب سيجد أننا، ومن الناحية النظرية على الأقل، نتفق في مفهومنا على مساحة كبيرة من المحاور:

§          اننا نتفق على تقدير ضرورة التفاؤل.

§    ونتفق على تقدير مجموعة مهمة من السلوكيات الفردية، مثل: الاعتماد على الذات، وقيمة العمل لتحسين فرص الانسان في الحياة، والانضباط، والاعتدال..

§      ونتفق على تقدير مجموعة من السلوكيات التي تعبر عن احترامنا المتبادل تجاه بعضنا البعض، مثل: الصدق، والامانة، والعدالة، والنزاهة، والتواضع، واللطف، والتراحم، والاحسان..

§     ونتفق على تقدير قيمة الايمان بشيء أكبر من أنفسنا - الايمان بان يحب الانسان لاخيه ما يحبه لنفسه.
أما النقطة التي يختلف فيها مفهومنا اختلافا جوهريا حولها، فهي: تشريع التهذيب واداب السلوك. ففي حين تشجع قيمنا ضرورة تدخل السلطة لتشريع التهذيب واداب السلوك، فان الدستور هناك يقف حائلا دون ذلك، ويصر على أن يترك للناس أن تدفع بعضها ببعض؛ ولا تتدخل السلطة الا لمنع جور السلوكيات التي تعتدي على حقوق الآخرين ولكن ليس لفرض سلوكيات محددة.

الأحد، 25 نوفمبر 2012

ماذا يحدث أثناء الكتابة ؟


موضوع جميل أثاره الكاتب نجيب الزامل في صحيفة عرب نيوز، وأحببت أن أشارك بالتعليق التالي على الموضوع:

أظن أن الكتابة لها ثلاث عناصر رئيسة، هي: القدرة على بناء صورة ذهنية للموضوع، وحصيلة المفردات اللغوية، والدقة وقوة الملاحظة.

ولا شك أن أصعب عنصر منها هو القدرة على بناء الصورة الذهنية للموضوع، وذلك لما يقتضيه ذلك من ضرورة التحكم بدرجة معقولة على صندوق الذاكرة وعلى المخيلة. حيث يحتاج الكاتب الى التقاط القطع المناسبة من صندوق الذاكرة ليبني منها الصورة الذهنية التي يريد، ويثبتها في خياله، ثم ينقل عنها في كتابته. انها عملية أشبه ما تكون بتركيب قطع لعبة الصور المجزأة (الجيكسوبزل).

وقد فهم واضعوا اللغة الانجليزية هذه الجزئية بشكل دقيق، ولذلك فان حصص الكتابة عندهم – التعبير عندنا – تتركز بشكل كبير على اعطاء الطالب صورة لمشهد ما ويطلب منه وصف ما يراه كتابة، ويتم تقييمه على مدى دقة وصفه للمشهد الذي يراه. انها أفضل تدريب لتحضيره على القدرة لاحقا ان يوجه عينيه الى الداخل لينقل عن صفحة خياله الصورة التي تشكلت فيها.

ولا شك، أنه كلما زادت سعة حصيلة المفردات اللغوية ودقة الملاحظة، فان الكاتب سيكون أكثر قدرة على التعبير عما يراه سواء ببصره أو ببصيرته.  

الجمعة، 23 نوفمبر 2012

هل يكفي أن يكون دمنا خفيف ؟



ما هي فائدة العواطف ؟

العواطف هي المحرك الأول الذي يدفعنا للتدخل لحل المشكلات في حياتنا. وفيها عاطفة خاصة هي التي تنبه الجهاز العاطفي على ضرورة التدخل في حالة ما: انها المفاجأة. فعندما يتعرض الانسان لمفاجأة ما، فانها تولد عنده رغبة تلقائية ملحة لمعرفة سر هذه المفاجأة.

ولكن ما علاقة هذه المقدمة بموضوعنا ؟

لابد أنك لاحظت انتشار التعليقات الساخرة والنكتة اللاذعة احيانا في المواقع الاجتماعية، والتي تحاول تسليط الضوء على المفارقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والحياتية بشكل عام، في محاولة للفت الانتباه اليها وطلب علاجها. ان ما تقوم به هذه التعليقات الساخرة والنكتة اللاذعة هو احداث مفاجأة في زاوية رؤية الموضوع حتى تحدث حالة الاهتمام العاطفي به.

ولكن العاطفة سرعان ما تخبو؛ واذا لم يتمكن التأثير العاطفي السريع أن يشعل جذوة الفضول عند المسئول عن علاج الموضوع في تلك الومضة فكل ما سنحصل عليه هو أن نكون: "دمنا خفيف"  و"ابن نكتة" !

ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك ؟

أكثر الطرق مباشرة للحصول على استثارة فورية للفضول اذا أدرك الانسان وجود:

§        فجوة بين تصوراته والتصورات الصحيحة للموضوع، أو
§        اذا سقط في خطأ نتيجة تصوراته.
ولذلك فان أصعب المعوقات: حين لا يسمح المسئول عن حل الموضوع أن يرى رأيا مخالفا لرأيه، أو كان لديه الحرية على تجيير مسئولية أخطاءه الى آخرين.

حقيقة، يبدوا أن الناس قد مارست مسئوليتها من خلال المواقع الاجتماعية في احداث الاهتمام العاطفي بالموضوعات التي تعنيها؛ ويبقي على القائمين على حلها أن يكونوا قابلين لالتقاط الشعلة والوصول بها الى خط النهاية حيث يتحقق الفوز للجميع.  



الجمعة، 16 نوفمبر 2012

الدكتور دبليو ادوارد ديمنج



ربما كان الاسم غريبا بعض الشيء على القاريء العربي؛ وهو برغم كونه أمريكيا الا أن شهرته ذاعت بشكل أكبر في اليابان. وأعتبر أقوى شخصية غير يابانية أثرت في تطور الصناعة والجودة والابتكار وتطوير أداء منشآت الأعمال فيها. وبلغ من احتفاء الحكومة اليابانية بأفكاره وخبراته أن أنشأت جائزة سنوية أطلقت عليها "جائزة ديمنج" وتعتبر من أرفع الجوائز التي تتسابق المنشآت للحصول عليها.

لقد كانت الفكرة التي نادى بها د. ديمنج تتلخص في أن تطوير أي منظمة لابد أن يسبقه التخلص من تقلب أداءها. واعتبر أن هذا هو الدور الحيوي الرئيس للادارة. وأن الوسيلة الأنجع لتحقيق التخلص من تقلبات الأداء هو باستخدام الأدوات الاحصائية؛ لاكتشاف مسببات انحراف الأداء ومن ثم العمل على تنحيتها.

لقد كنت ولا أزال من المهتمين بهذه المدرسة في الادارة والتي شرفت بتلقي اساسياتها وتطبيقها على يد الدكتور مصطفى رضا، وهو أحد الحواريين – ان جاز التشبيه – لدكتور ديمنج ولمدرسته في الادارة.



الخميس، 8 نوفمبر 2012

اختيار الفرصة


 أثار الكاتب نسيم طالب في كتابه "البجعة السوداء": إن الفرص من حيث تأثير الحوادث عليها تنقسم إلى ايجابي أو سلبي.
ولتقريب الصورة فقط، مثلا، مجال التمثيل يعتبر تأثير الحوادث عليه ايجابيا، حيث أن بداية الممثل ككومبارس يكفيه حادثة واحدة من دور ناجح واحد للانتقال به إلى النجومية.
وعلى الطرف الآخر، هناك مقدم خدمات التأمين مثلا، فهو ناجح طالما بقي الحال على ما هو عليه، ولكن يكفيه حادثة واحدة يتعرض لها المؤمنون لديه للانتقال به إلى الإفلاس.
وخلاصة القول، في المرة القادمة عندما تختار الفرصة التي تريد متابعتها تأكد أن حوادثها من ذات الأثر الايجابي.

سوروس ونموذج توقع المستقبل


يذهب جورج سوروس في كتابه "ازمة الراسمالية العالمية"، الى القول:
"استطيع ان ادعي ان اراء المشاركين دائما ما تجافي الواقع ولكني لا استطيع ان اثبت ذلك، لاننا لا نعلم ما سيكون عليه الواقع في غياب اراءنا. استطيع ان انتظر الاحداث لتتكشف وتظهر مجافاتها للتوقعات، ولكن، وكما اشرت، الاحداث اللاحقة لا تخدم ان تكون متغيرا مستقلا لتقرير ما كانت لتكون عليه التوقعات الصحيحة، حيث لو اختلفت التوقعات ربما ادى ذلك الى مسار اخر للاحداث". انتهى.
ان ما يذهب اليه سوروس هنا باختصار، انه لا يمكن معرفة ما كان يمكن ان تكون عليه التوقعات الصحيحة لاي حدث؛ كما انه يقتضي عدم الامكانية المطلقة لتوقع حدث ما.
وعلى ذلك كان الحل عنده هو توقع احداث المستقبل واستخدام هذه النقطة في المستقبل للوقوف عليها والاطلال منها على تطور الاحداث المتقدمة نحو المستقبل، وملاحظة النقاط التي يفترق عندها مسار تقدم الاحداث عن مسار التوقعات واتخاذ تلك النقاط محطات لتعديل التوقعات.
المأخذ على علاج سوروس هنا أنه يبقي المستقبل سجين فكرة ان المستقبل هو امتداد للماضي. وفي هذا تضييق بين على قدرة الخيال على صناعة واقع جديد- نظرية النسبية كمثال.
وهذا بدوره يقترح اسلوبا مختلفا في معالجة هذا المجهول. فلا يبدوا أنه يجدي مع هذا المجهول شيئا محاولة توقعه. ما يجب ان نشتغل به فعلا هو ان نفكر و نختار المستقبل الذي نطمح ان يكون، ثم ندفع بقالب التوقعات الى قلب الاحداث لتنحت عنه زوائده التي تتجافى مع الواقع.

الخميس، 1 نوفمبر 2012

الصبر وريادة الاعمال


أظن أن هناك خلط بين نوعين من الصبر : الصبر على قضاء الله، والصبر الذي هو مفتاح الفرج - كما تصفه المقولة الشعبية المعروفة. ولا أظن أنه يمكن لي أن أضيف جديدا الى فهم القارئ فيما يتعلق بالنوع الاول. فما كتب سابقاً حوله يكفي لبيانه وبيان أهميته. وانما ما اردت تسليط الضوء عليه هنا هو النوع الثاني من الصبر.
وأول الاختلافات بين هذين الصبرين هو أن الأخير يعد سبباً من الأسباب التي يجب أن يجمعها الفرد الى أسبابه عند القيام بأي أمر، وليس مجرد حال كما هو الوضع مع النوع الأول. فالغالب، في بدايات الأعمال الريادية أن لا يتحقق لها الا مصادر محدودة جداً من الموارد، وغالبا ما يشكل ذلك أحد أهم تحديات هذه الأعمال. وهنا تبرز أهمية الصبر من النوع الثاني. ذلك الصبر الذي يستعين به الفرد لتغطية أي نقص في موارده. الصبر على معالجة كل المواقف والمهام الضرورية والتي تقصر عن تلبيتها الموارد المتاحة. انه أشبه بورقة الجوكر، تقوم بديلا لتغطية أي نقص في تسلسل ألأوراق فتَجبُر نقصها.

الأحد، 28 أكتوبر 2012

مفترقات طرق في دعوة ابراهيم عليه السلام


مرت دعوة ابراهيم عليه السلام بنقطتين شكلتا مفترق طرق في مفهوم البشرية من بعده حول الفرق بين قدرة الله الذي بيده ملكوت كل شيء، والآلهة التي لا تنفع شيئا ولا تضر؛ وحول تصحيح زاوية تعلق الناس.

الأولى، عندما حاج أباه وقومه فيما يعبدون من دون الله، واستنكر عليهم تلك التماثيل التي هم لها عاكفون، وكيف يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم شيئا ولا يضرهم ؟ فأرادوا امتحانه في قدرة الهه على نفعه، فبنوا له بنيانا وأوقدوا فيه النار والقوه في جحيمها، ولكن الحق سبحانه وتعالى أمر النار أن تكون بردا وسلاما عليه. لقد كانت تلك لحظة فاصلة اختبرالناس فيها بالتجربة الفرق بين قدرة الله الذي بيده ملكوت كل شيء، والآلهة التي لا تنفع شيئا ولا تضر.
الثانية، حين اختار الله ابراهيم عليه السلام اماما للعالمين. لقد أسست تلك اللحظة لاحداث تصحيح مهم في زاوية تعلق الناس، حيث حرصت دعوته على نقل تعلق الناس من حجارة البيت الى رب البيت.

الجمعة، 26 أكتوبر 2012

التيامن فكرة عملية بسيطة ونصيحة قيمة


اذا علمت أن الجهة اليسرى من الدماغ هي التي تحرك الجانب الايمن من الجسم.. وهي المسئولة عن كل ما هو محسوب ومدقق.. وان الجانب الايمن من الدماغ - وهو الذي يحرك الاطراف اليسرى من الجسم - يتعلق بشكل اكبر بالعاطفة والفنون والابداع..


 فقد تجد في التيامن فكرة عملية بسيطة ونصيحة قيمة..


ببساطة، فكر وأطلق العنان لخيالك واستكشف ابداعات جانب الدماغ الايمن الممكنة، ولكن عندما تقرر ان تباشر أفكارك وتنفذها فعود نفسك على أن تفعل ذلك بيمينك.. (أنتم أعلم بشئون دنياكم).




الخميس، 25 أكتوبر 2012

سوق الأسهم – أين يجب أن أكون ؟


أولا وقبل أن أذكر أي شيء، لابد أن أوضح أن ما يلي ليس توصية بأي شكل من الأشكال، وليس مقصودا منها أن تؤسس لأي قرارات؛ وانما اجتهاد شخصي ردا على طلب من صديق.

الآن يمكننا أن نبدأ..

سألني صديق عزيز عن التوقعات لسوق الأسهم في المرحلة القادمة.. وأود أن أتقدم له بالشكر على حسن ظنه في امكانية أن يجد اجابة لسؤاله عندي..

ولكن من الضروري أن أذكر صديقي أنني وللأسف لست من المؤمنين بمدرسة التحليل الأساسي وخاصة بالنسبة لحالة سوق مثل سوقنا المحلي؛ وأعتقد أن التحليل الفني أكثر أمانا في التعاطي معه، ذلك أن التحليل الفني باستطاعته وبكل حيادية أن يقتفي أثر حركة المتداولين بغض النظر عن أي ضغوط جماعية أو اشاعات قد تضلل أو تشوه صورة ما يجري في السوق.

وبناء على التحليل الفني للسوق، فان المراقب له يشاهد حالة من الحالات النادرة فيه، حيث تقف القطاعات جميعها على حواف أقصى امتداد لاسعارها في ظل درجة الخطر الذي تتذبذب فيه. وهذا الأمر يطرح سؤالا مهما وهو: هل ستسطيع أن تخترق هذا الغشاء الحاجز وقد وصلت الى حافة مرونته، أم أن عدم مرونته ستجعلها تنقلب عائدة الى مراكز مختلفة لتبدأ مشوارها من جديد. بصراحة، الصورة غير واضحة وغير واثقة في ظل تطور أحداث المنطقة في الوقت الراهن.

ولكن سؤال المليون ريال الأهم في هذه الظروف هو: ماذا لو تحرك السوق بشكل ايجابي وتحسنت الظروف فجأة وبدون مقدمات فأين يجب علي أن أكون ؟ في ظل التحليل الفني، أظن أنه يجب عليك أن تكون متمركزا في ثلاث قطاعات هي: التطوير العقاري، الاعلام والنشر، والتأمين.

آمل أن يكون ما سبق قد قدم مشاركة في الاجابة على سؤالك.

الخميس، 11 أكتوبر 2012

النية مطية



تذكرت هذا المثل الجميل وأنا أطالع بعض الأنظمة التي أثبتت نجاحها، وتطورها من بداياتها الأولى في القرن الخامس قبل الميلاد وصولا إلى صورها الحديثة التي تعيش بيننا اليوم.

تذكرته وأنا أرى مدى قرب نظامنا - الحديث جداًً مقارنة بتلك التجربة الطويلة - من تحقيق نموذج موازي يحافظ على خصوصيتنا ولا يفصله عن مسابقتها سوى مقاربات بسيطة. ولكنها النوايا الصادقة، ونور البصيرة، والفطرة السليمة والعمل الجاد التي طوت لنا طول المسافة خلال هذه الفترة الوجيزة.

أظن أن تنافسية نموذجنا ستتلقى دعماً قوياً يمكِّنها من تحقيق قفزات شاسعة إذا حقق المقاربات التالية:

1. جمع هيئة كبار العلماء ومجلس الشورى تحت قبة واحدة؛ وبذلك تكتمل صورة السلطة التشريعية.

2. فطام الهيئات التي نشأت حول المؤسسة الدينية، بحيث يتم تحويل ما تطور منها وتَقبلهُ السلطة التنفيذية ضمن أجهزتها اليها؛ وتحويل البقية الأخرى الى منظمات من منظمات المجتمع المدني، تعمل فيه تحت مظلة النظام وليس في حضانة المؤسسة الدينية.

3. تفصيل الدور المزدوج للشريعة من حيث كونها المصدر للتشريع، ومن حيث هي مرجع للأحكام؛ لتحقيق السلامة لدور القضاء من الخروج عن دائرة تطبيق القوانين الى دائرة الاجتهاد وسن سابقات قانونية قد تكون مربكة للمصلحة العامة الأجدر بها مناقشتها وتطويرها تحت قبة السلطة التشريعية.

الخميس، 4 أكتوبر 2012

عندما يجانب التصور الواقع – قصة قصيرة


بعد يوم خدمة طويل ومرهق جدا..
اختل توازنه وهو ينزل الدرج..
الدرج الفاصل بين مكتبه والصالون.. فسقط..

ثم بالكاد لملم نفسه ونهض..
وارتمى على أقرب صوفا في الصالون..
غفى عندها دون أن يشعر بنفسه..
أفاق مع اول خيوط الفجر..

فوجيء بالرضوض منتشرة على جسده كله..
حتى لكأن جلده وبقع الرضوض عليه كجلد بقر..

كان جائعا.. ولم يجد في البراد ما يؤكل..
قرر النزول لشراء ما يسد به جوعه..

عندما نزل.. رآه الناس في عتمة الفجر ففزعوا منه..
اعتقدوا، وبقع الرضوض على جسده كأنها جلد بقر..
أنه بقرة هاربة.. ولعلها مصابة بجنون البقر..
فما كان منهم الا ان أحاطوا به وأجهزوا عليه !



الخميس، 20 سبتمبر 2012

سر نجاح العقد الاجتماعي السعودي



بداية، أود أن أقدم بتعليق بسيط حول نظرية "ظل الله في الأرض".


في الهندسة الوصفية هناك تفريق بين الظل والظلال. الظل، هو الجزء من التكوين الغير معرض للضوء؛ أما الظلال، فهي حدود الظل على الأسطح المجاورة.


اذا فهمنا ذلك، ففي ظل هذه النظرية نحن أمام ثلاث مكونات: السلطان (ظل الله في الأرض)؛ والمجتمع (الذي يتحرك في ظلال السلطان)، والسلطة الدينية (التشريعية والقضائية).


في الوضع المستقر، تكون هناك حالة من التناسب بين التغطية التشريعية الضرورية وحركة المجتمع. أما في ظروف النمو والاتساع المطرد لظلال السلطان، وهو ما يشابه الوضع الذي تمر به السعودية في الوقت الراهن، فانه يحدث أحيانا أن تقصر حركة السلطة التشريعية عن مواكبة أثر ذلك من اتساع مقابل في الظلال التي يلقيها السلطان على أرجاء الحياة، ويتوسع بين أطرافها المجتمع بالنتيجة.


وحتى لا يبدوا أننا نتحدث في قضية نظرية بحتة هنا، فقد يكون من المفيد أن نشير الى أن السعودية قد شهدت حالات مشابهة في ظروف نموها السابقة – قضية تعليم البنات على سبيل المثال.


ولكن السعودية نجحت دائما في المحافظة على مرونة عقدها الاجتماعي من خلال تشجيع كل مهتم بالمشاركة الفاعلة في حركة المجتمع على تلمس رأي ولاة الأمر لاستكشاف حدود الظلال التي يلقيها السلطان على أرجاء الحياة. وساهمت سياسة الباب المفتوح التي انتهجها ولاة الأمر في خلق آلية سهلة وتلقائية للتعرف على تلك الحدود. وفي المقابل، كفلت الحصانة وفيء ظلال السلطان للحراك الاجتماعي من نفوذ أي سلطات أخرى بدون اجراءات قضائية مستقلة وعادلة.



الخميس، 13 سبتمبر 2012

تجارب المجتمع وضرورة تسجيلها



تجارب المجتمعات أشبه ما تكون بمنحنى المعرفة. بدايتها غنية بالتجارب الجوهرية، ولكن حركتها بطيئة وقاسية وصعبة، ولا تتم الا بمعاناة شديدة؛ حتى اذا تكاملت طاقتها، وتوفرت لها أسباب النضوج، فانها تتحرك بسرعة ويسر على أبعاد شاسعة، ولكن مع انخفاض واضح للتجارب الجوهرية في تلك المرحلة.


ولذلك تولي المجتمعات المتقدمة أهمية كبرى لتسجيل تجارب الرعيل الأول فيها والتي ساهمت في صنع السبيكة الأولى لهذه المجتمعات ووضعت القواعد الراسخة الذي تحركت عليها جميع الطاقات بعد ذلك.

أظن أن فترة التجارب الجوهرية في مجتمعنا هي تلك التي سبقت العام 1970م، وأظن أنه من المهم أن نستدرك تسجيل تجارب من هم على قيد الحياة من رجالها ممن كان لهم اسهام مباشر في الحركة الاجتماعية فيه. أظن أنها ثروة لا يجب اضاعتها.






الجمعة، 7 سبتمبر 2012

قراءة في كتاب: الشيخ صالح بن عبد العزيز الراجحي - مسيرة حياة

 

احياناً تمتزج بعض الخصال ببعض الاشخاص لدرجة لا تغدوا قادرا معها على تحديد ايهما يدل على الاخر، واظن ان كل من اقترب من الشيخ صالح الراجحي سواء بالمخالطة او من خلال سيرته يدرك علاقة مماثلة بين الشيخ صالح وثلاث خصال، هي: الايمان، والجسارة، والرأي المستقل.

***

 

واعتقد ان هذه الخصال نمت وتطورت داخل تكوين الشيخ صالح بحكم الضرورة لتجاوز امتحان الشب عن الطوق، ثم رافقته كاسلوب حياة اسهم بشكل مباشر في تحقيق ما وصل اليه.

 

لقد كان الايمان ضروريا لتجاوز مفازة الخوف والمجهول التي وجد نفسه فيها. فقد اسهم بشكل فعال في "عدم اكتراثه بما يشغل الناس من المخاوف التي تنشأ اكثر ما تنشا من اوهام النفس" والتي غالبا ما تحول بين كثير من الناس وحركتهم في الحياة.  

 

ومن الشواهد في هذا السياق، انه ركب يوما الطائرة برفقة ابن عم له، ويبدوا ان الطائرة دخلت في منطقة مطبات جوية شديدة، فالتفت اليه ابن عمه قائلا: يا صالح، لو مت فانت وكيلي..! فرد عليه الشيخ صالح: لن يحدث شيء انشاء الله؛ فقد صليت الوتر وقرات الاوراد! وشاهدنا من هذه القصة هو تلقائية رد الشيخ صالح، فهو يضعنا امام رجل يخوض الاخطار في حياته معتمدا على ايمان وحسن ظن بالله ليس لهما حدود.

 

ورغم ان الكثير من المخاوف تنشا من اوهام النفس، الا ان البعض الحقيقي منها اذا اطلت بوجهها الغليظ معترضة طريق الانسان فانه يحتاج الى الكثير من الجسارة للوقوف وجها لوجه في مواجهتها لاكمال مسيرته ومثابرته حتى ينهي ما بدا.

 

كذلك كنا راينا في حالة الشيخ صالح كيف دفعت به الاحداث لمنطقة مجهولة في سن حديثة في ظل غياب خبرة مشابهة بجواره مما جعله مضطرا للاعتماد والتعود على استفتاء قلبه للوصول الى راي. وبالتالي، فان كل خطوة ناجحة كان يخطوها كانت تزيد من جلاء صفحة قلبه وتدعم اعتداده برايه. ولذلك، فانه ليس من المستغرب ان يعلق المحيطين به على هذا الجانب من شخصيته بالقول: انه لم يكن "يخضع رايه لرغبات الاخرين، ولا يجعل قراره اسير أفكارهم".

 

***

 

بقيت نقطة أخيرة في تجربة الشيخ صالح الراجحي لابد من الإشارة إليها. وهي وان كانت ليست جديدة من حيث المحتوى، إلا أن قيمة الوقوف عليها عند الشيخ صالح هي كونه صاحب تجربة مباشرة فيها. ذلك انه تعرض في بداية حياته للمنع من الجلوس في السوق، والعمل بالصرافة، ولم يخرجه من تلك الحادثة إلا تأييد المشايخ لأعماله. لم تكن هذه الحادثة لتمر على الشيخ صالح دون استخلاص العبرة التي فيها، ولعل ذلك ما انعكس على اسلوبه لاحقا حيث اصبح "كثير الاهتمام بإذن ولاة الأمر، وتأييد المشايخ لأعماله إذا أراد الإقدام على مشروع معين".

 
 ***
 

اخيراً، وفي ختام الاوقات الجميلة التي قضيتها في صحبة مسيرة حياة الشيخ صالح الراجحي لا املك إلا أن اردد خلف الشيخ الدكتورعبدالرحمن اللويحق: "هذا الرجل لا يمكن أن يعرفه احد ولا يحبه".



الاثنين، 3 سبتمبر 2012

الرجل الذي رأى الغد

لست ممن يهتم بالنبوءات الا في الاطار الشرعي الذي يحكم موضوعها، ولكني تذكرت اسم هذا الفيلم وأنا أعيد قراءة قصيدة نثرية للسيد هشام علي حافظ يرحمه الله من انتاجه الذي تعود قراءه ومحبيه انتظاره بشكل سنوي في ذكرى المولد النبوي من كل عام على صفحات جريدة الشرق الأوسط. وقد كانت دوما، ولم تزل، تلفت انتباهي تلك التي نشرت في يوليو من العام 1997م، فقد كانت قطعة ذات قيمة أدبية متميزة، أضف الى ذلك، أنها من القطع الفنية التي لا يلبث القاريء أن يستشعر أن كاتبها لحظة كتابتها كان وكأنه كتبها وقد رأى الغد ! 

الجمعة، 24 أغسطس 2012

الفلسفة الطبيعية والقضايا الايمانية

لم يضطر العلم في كل ما وصل اليه من تقدم حتى الآن الى الحاجة الى افتراض وجود من ما وراء الطبيعة. ومن جهة أخرى، فهناك دراسات منشورة تؤكد أن الغالبية العظمى من العلماء والعباقرة ملحدون، وأن نسبة التدين انخفضت بين العلماء من 27% عام 1914 إلى 7% عام 1998. مما شجع خطأ على التصور أن المنظور الطبيعي للعالم هو المنظور الأكثر احتمالاً للحقيقة وليس الأديان.


تبدأ المشكلة مع الأديان من حيث أن الفلسفة الطبيعية تعتمد المنهج العلمي كطريقة وحيدة للحصول على المعرفة ولا تعتبر أي وجود لكل ما وراء الطبيعة، مثل الآلهة والأرواح، لأنه لا يمكن فحص مثل هذه الظواهر الغير طبيعية مختبرياًً.


ولو حاولنا قراءة ذلك في الحالة الخاصة للدين الاسلامي مثلاًً، فان هذا بطبيعة الحال سيهدم أربعة أركان من أركان الايمان الستة، ولا نكاد نستنقذ منها الا الكتب والرسل - بحكم التواتر على وجودها ليس الا. وحتى هذين الركنين - ان نجحنا في استنفاذهما فعلاًً - اذا سقط الايمان بالله فأي قيمة أو معنى تبقى لهما. وأقول ان نجحنا في استنقاذهما فعلاًً لانه حتى الحديث الذي بيّن أركان الايمان كان جبريل عليه السلام طرف أساسي فيه.


الحقيقة المهمة التي كان يجب أن نصل اليها عند هذه النقطة هي: أن الفلسفة الطبيعية حتى اللحظة التي تستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار لا يمكن استخدامها للوصول الى الايمان. وانا أعني بكل دقة عندما أقول حتى اللحظة التي تستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار، فالقرآن يحدثنا عن امكانية ذلك فعلياًً في قصة السامري.


المشكلة الاخرى التي تظهر هنا، أن بعض العقول الساذجة ظنت أنه بإمكانها تصحيح بعض ذلك باستخدام نتائج المنهج العلمي كوسيلة لفحص ما وصلنا من الصورة الخام عن الأديان، وجعله علامة على صدقيتها. لقد اصطدم هؤلاء بسؤال عقدي أكبر، وهو: الى أي درجة يمكن الاعتماد على آلية بشرية للحكم على نص الهي ؟ ومن جهة أخرى، هل استطاع المنهج العلمي أن يقنعنا بأن كلمته هي الكلمة الفصل وأنها نهائية فيما يصل اليه ؟ لا شك أن النظرة الموضوعية للإجابة عن السؤال الأخير تدفعنا للإجابة بالنفي، ويكفي شاهداًً على ذلك الاختلاف بين مجموعة القوانين النيوتونية وقوانين الفيزياء الكمية للرد على ذلك. ونتيجة ذلك، يتضح أن محاولة استخدام نتائج المنهج العلمي لتعميق الايمان لا تزيد عن النسبة الاحتمالية الطبيعية لتأثير عدم استخدامها.


الخلاصة، أننا حتى اللحظة التي نستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار فان الطريق السالك الوحيد الذي يقود الى الايمان هو الايمان.


والله من وراء القصد، وهو الهادي الى سواء السبيل.




الجمعة، 17 أغسطس 2012

من ينابيع الأنس بالله


لا أدري ان كان هناك كتاب من الكتب السابقة قد سبق الى استخدام هذه الطبيعة أو لا ؟

فقد استطعنا في وقت متأخر جداً تقديم المادة بشكل تفاعلي مع المتلقي، بعد أن مكنت التكنولوجيا الحديثة نسبياًً لبناء هذه الطبيعة في المواد التي يتم تقديمها..

الا أنك تندهش من بناء هذه الطبيعة التفاعلية في آيات القرآن الكريم !

فمن الهدي النبوي في قراءة القرآن..

أنه لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل..
ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ..

هذا البناء التفاعلي، وفي ظل عموم النص، مهم جداًً: فهو يخصص كلمات الله لكل انسان على حِدَه بحسب ما سأل أوما استعاذ منه، وهو نبع من ينابيع الأنس بالله.



الأحد، 12 أغسطس 2012

السيد حسن محمد كتبي



لقد كانت دائما علاقة عمي السيد حسن كتبي بوالدي علاقة "روح واحدة في جسدين" كما وصفها دائما. ومن كان قريبا منهما يعلم أن هذا الوصف لم يكن من قبيل الاوصاف الأدبية للعلاقة بينهما، بل حالة بينهما كنا نعايشها. وأحمد الله أن سمحت لي هذه العلاقة الخاصة أن أتمتع بالنشأة في دائرة اهتمامه يرحمه الله، وأن أقترب منه على الصعيد الشخصي في الفترة التي أمتدت تقريبا من عام 1998م – 2000م.


لقد أتاحت لي تلك الفترة أن أرى فكره وأعماله عن قرب، وبتعليقات مباشرة منه، بشكل زاد من عمق معرفتي به وحبي له على المستوى الانساني وليس فقط على أساس العلاقة الأسرية.

وأول ما تكتشفه فيه – يرحمه الله – هو تصوراته الواقعية للحياة. فان جميع العلوم تكتسب قيمتها الحقيقية عنده بقدر فعلها الايجابي في حياة الناس. وظهر ذلك بشكل مستمر في كتاباته، وفي رؤيته لرسالة الاسلام، فلم يقف عند حفظ علومه واقامة وظائفه، بل سعى دوما الى تقديمه كأحد أهم روافد التراث الانساني وابراز أهمية ارتباطه بالسماء بأصفى وأوثق وأجمع رباط لخير الانسانية. 

ومما يلفتك بشكل بارز في أعماله، اهتمامه بتجسيد آمال وطموحات قادة البلاد، وتفانيه في بعث الحياة فيها ورعايتها. كانت رابطة العالم الاسلامي أملا ورجاء للمؤسس المغفور له جلالة الملك عبد العزيز؛ فلم يزل يعمل بكل جهد لتنظيم الدعوة لها حتى قيض الله الملك فيصل ليدعم الروح التي بدأت بها تلك الدعوة ليتحقق أمل الأجيال بقيام رابطة العالم الاسلامي. 

ولما لم تكن ولادة هذا الكيان يسيرة في بدايته، وكان قد تعرض للكثير من المضايقات والتهم التي لحقت به في ظروف تأسيسه، فقد انبرى يرحمه الله في حركة دائبة واسفار متصلة لمقابلة رؤساء الدول الاسلامية، وحضور المحافل الدولية، والمشاركات الصحفية للذود عن أهداف الرابطة وغاياتها وتنقية سمعتها. لقد بذل كل ذلك، وقبل كل شيء، حبا واخلاصا لدينه ومليكه ووطنه، وعشقا وايمانا بالبصيرة النافذة لقادة هذه البلاد.

وقد كانت درة التاج من أعماله - يرحمه الله – دوره في مكافحة الشيوعية، وصمود السعودية أمام المد الشيوعي في فترة أوائل النصف الثاني من القرن الماضي والتي كان رائدها جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز. 

والمتدبر لرحلة الصمود تلك لابد أن يعجب بجانبين مهمين فيها:


   أولا، البصيرة النافذة لقادة هذه البلاد في اختياراتها الموفقة للنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تبنته، بالرغم مما واجهته من صراعات خشنة أحيانا للدفاع عن تلك الخيارات في حينها.


   ثانيا، الطريقة التي أديرت بها مهمة الصمود والتي نجحت بشكل فعال في تكسير الموجة العاتية التي كانت تزحف على العالم الاسلامي لتشقق كيانه وتهدم بنيانه.


أسأل الله أن يتغمد روحه الطاهرة برحمته، وأن يدخله فسيح جناته، وأن يجعله من أول الواردين على حوض نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم، ومن أوائل الناظرين الى وجهه الكريم.. آمين




الاثنين، 6 أغسطس 2012

طلاقة القدرة الإلهية


تصور لو أن موسى عليه السلام وجد نفسه أمام البحر وليس معه الا عصاه، ولم ير فيها الا عصاه  التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه..

تصور لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير في جذل الحطب الذي دفعه الى عكاشة حين انكسر سيفه يوم بدر غير أنه جذل حطب..

كلاهما، تناول شيئاً عادياً من محيطه الطبيعي..

وكلاهما، لم يريا فيما تناولا عصاً ولا جذل حطب..

كلاهما، اعتمداعلى طلاقة القدرة الإلهية فيما تناولا.. ففلقت العصا البحر؛ وانقلب الجذل سيفاً بإذن الله !





الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الحفظ عن ظهر قلب مهارة مهمة


لقد كانت مهارة الحفظ عن ظهر قلب لها مكانة مهمة في التعليم وتطور العلوم؛ فقد كانت المهارة الاساسية التي استطاع الانسان من خلالها حفظ وتداول البيانات والمعلومات والافكار عبر العصور، الى ان استطاع في وقت متأخر نسبيا من استحداث وسائل خارجية فعالة وقادرة على القيام بهذه المهمة بشكل ناجح.

وقد كانت هذه المهارة من الاهمية بمكان بحيث كان تعليم طرق حفظ العلوم جزء لا يتجزأ من مناهج اصحاب العلوم التي يقدمونها لطلبتهم (من خلال المتون الشعرية وغيرها).

فهل لا تزال هذه المهارة مطلوبة في حياتنا العملية اليوم؟ الجواب: نعم.

فلا تزال الوسيلة الاكثر تأثيرا في الناس هي القدرة على تقديم موضوعك عن ظهر قلب والطلاقة في استحضاره من الذاكرة، ولذلك لا تجد كتابا يتحدث عن تقديم العروض الناجحة يخلوا من النصيحة بالاهتمام بهذه المهارة.

وكذلك الحال اذا تطرقنا الى الابداع وصيد الخواطر، فان المواد المحفوظة عن ظهر قلب تلعب دورا حيويا مهما في هذه العمليات. فهي تعمل كالنشابات التي تمسك في الذاكرة بما يمر حولها من بيانات ومعلومات يستقبلها الشخص من محيطه، وبالتالي توفر للعقل الباطن المادة التي يحتاجها لاعادة التركيب والصياغه وابداع تركيبات جديدة من اجزائها.

وكلما كثرت المادة المحفوظة عن ظهر قلب عند شخص ما فان قدرته على الامساك بمادة اكثر في ذاكرته مما يمر به تزداد بشكل تلقائي ومتضاعف؛ وهذه النقطة الاخيرة مهمة جدا في توسيع قدرات الشخص على تحليل العالم من حوله وبالتالي تحسين قدرته على مواجهة المواقف.

لذلك آمل ان نتمكن من استعادة الاهتمام بهذه المهارة في حياتنا.

الجمعة، 27 يوليو 2012

مواقف انقذت الاسلام


مر الاسلام منذ بدء الوحي باربعة مواقف مفصلية كان غياب اي منها كفيل بان يتسبب في تعثره وتوقف تقدمه:

الموقف الاول، "فوالله لا يخزيك الله ابدا"
لا شك ان عملية بدء الوحي كانت مربكة على المستوى النفسي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم. ولولا الله ثم مؤازرة السيدة خديجة – رضي الله عنها – من خلال تقديمها دعما نفسيا عبرت عنه مقولتها الشهيرة: "ابشر، فوالله لا يخزيك الله ابدا، والله انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الامانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق". لقد اسهمت فكرتها العظيمة والبسيطة هذه في تثبيته صلى الله عليه وسلم وتهدئة نفسه، وتأكيد ثقته صلى الله عليه وسلم في ان ما تعرض له انما هو ناموس مقدس.

الموقف الثاني، لقاء عداس
لقد بلغ صلى الله عليه وسلم ذروة شعوره بالعزلة والضعف والهوان عندما قام برحلة الطائف. وهذا واضح جدا في مناجاته صلى الله عليه وسلم التي توجه بها لله عز وجل وهو في طريق عودته منها، والتي يقول فيها صلى الله عليه وسلم:

"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك".

ولكن لقاء عداس والذي تذكره الروايات على الصورة التالية:

"قال فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟ قال نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه".

لقاء عداس هذا كان وبلا شك نقطة تحول مهمة في تلك الرحلة، وانعكس اثره على مسيرته صلى الله عليه وسلم في دعوته بعد ذلك. فقد لفته صلى الله عليه وسلم هذا اللقاء الى شريحة جديدة لدعوته قد يجد لديها المؤازرة، والتقدير لما جاء به – اهل الكتاب.

وبالفعل دأب من حينها على البحث في وفود الحجاج حتى التقى بوفد الانصار وهم حلفاء يهود المدينة، والذين رأوا فيه صلى الله عليه وسلم ما كانوا يسمعون من اليهود انه النبي المنتظر خروجه. وكان هذا اللقاء نواة الهجرة التي احدثت نقلة نوعية للاسلام فيما بعد.

الموقف الثالث، غزوة الخندق
حرض المنافقون من يهود المدينة قريش وقبائل العرب للهجوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونجحوا في ذلك الى حد ان جيش الاحزاب الذي وافى الخندق وصل قوامه الى عشرة الاف مقاتل!

وكادت خطتهم ان تكتمل خاصة بعدما استطاعوا اقناع بني قريظة على نقض عهدها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
ولكن ارادة الله شاءت ان تعالج نتائج هذه الغزوة باسباب غير تقليدية.

فلما سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمسير جيش الاحزاب نحو المدينة استشار اصحابه. فانطق الله سلمان الفارسي بالاشارة بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة. وكانت تلك اول مفاجأة لجيش الاحزاب. فلما وصل جيش الاحزاب ورأوا الخندق وقفوا يحدقون فيه مشدوهين وقالوا: "والله ان هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها"!

فقرروا حصار المدينة. فلما طال الحصار على المسلمين حسمت ارادة الله النصر لصالح المسلمين بارسال جنود غير تقليدية الى ارض المعركة: ملائكة، وبرودة الجو، وزوابع وامطار مما اضطر معه جيش الاحزاب الى اتخاذ قرار الارتحال؛ فخطب ابو سفيان - قائد جيش الاحزاب - فيهم قائلا: "يا معشر قريش... الفينا من شدة الريح ما ترون، ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل".

وكان كذلك. فحينما أطل المسلمون في الصباح التالي من اعلى المنحدر كان السهل خاليا!

ولعل اهم اثر تركته غزوة الخندق في نفوس الاحزاب ما عبر عنه خالد بن الوليد احد قادة فرقة فرسان الاحزاب حين ذاك لابو سفيان: "ان أي رجل عاقل يعلم الآن أن محمدا لم يكذب".

الموقف الرابع، "من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات."
لقد كانت وفاة محمد - صلى الله عليه وسلم – احد اخطر المآزق التي تعرض لها الاسلام. حتى ان بعض المسلمين تسائلوا عما اذا كانت وفاة محمد – صلى الله عليه وسلم – تعني انتهاء رسالته؟ ولكن الموقف الذي تبناه ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – حين خرج على الناس حازما موقفه من هذا الحدث الجلل بـ "انه من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت" ومناديا بين الناس بقوله تعالى: ((وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل  افئن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم  ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا  وسيجزي الله الشاكرين)) ومتمسكا باستمرار الرسالة التي صدقها وهي ما تزال خبرا من السماء حتى لواضطر لقتال كل من ينقلب على أعقابه عنها ترك اعمق الاثر في الناس واستطاع رضي الله عنه بموقفه هذا ان يتجاوز هذا المأزق الذي الم بالاسلام والمسلمين الى بر الامان وان يعطي حياة جديدة للاسلام في ما وراء موته صلى الله عليه وسلم.

فالحمد لله على نعمة الاسلام، والحمد لله الذي سلمه لنا، والحمد لله الذي سلمه الينا.