الأربعاء، 30 مارس 2016

هل نحتاج لاسناد مشروعات الاسكان لشركات دولية؟



التحديات التنموية التي تواجه الدول اليوم تفوق في احتياجاتها ميزانياتها، وأحياناً حتى قدراتها الفنية المحلية على انجازها. من أجل ذلك، استطاعت الحكومات تطوير برامج - مثل برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص – لسد مثل هذه الفجوات، ولتتمكن من الاستفادة من القدرات الدولية المتاحة للاستثمار في مثل هذه المشروعات.

أحد الجهات المرشحة للاستفادة من برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي مشروعات الاسكان. ولكن، هناك تحديات مهمة للاستفادة من مثل هذه البرامج؛ ويعتمد الأمر بشكل كبير على مدى قدرة الوزارة على تسويقها وادارتها محلياً ودولياً.

فمن جهة، فان مؤسسات التمويل الدولية لها متطلبات فيما يتعلق بفتح باب المنافسة الدولية العادلة للتقديم على المشروعات التي تقوم بتمويلها؛ وكذلك فيما يتعلق بشفافية عمليات تلزيم توريدات/خدمات المشروعات وتنفيذها. والغالب أنها تشترط أن تكون الجهات المتقدمة لهذه المشروعات شركات لها ملاءة مالية وفنية لا تكون أقل من قدرتها على اجتياز الاشتراطات المعتمدة للادراج في السوق المالي المحلي على الأقل.

وهذه النقطة الاخيرة تمثل تحدي مهم وكبير لشركات التطوير العقاري المحلية. وحتى الشركات منها المدرجة حالياً في السوق المالي، فان عددها وقدراتها محدودة، خاصة عندما يتعلق الأمر بخبراتها السابقة في التعامل مع/توريد أعداد ضخمة من الوحدات من عينة الأعداد المطلوب من مشروعات وزارة الاسكان توريدها، والاطار الزمني المحدود الذي يحكمها.

التحدي الآخر في هذا الاطار، هو أنه في صالح المستفيد الأخير – المواطن – أن تتوجه الوزارة في مشروعاتها للتعاقد مع الشركات الدولية مباشرة ودون الحاجة لوجود شريك محلي في التعاقد، حتى تتحاشى اضافة هوامش ربحية اضافية في سلسلة التوريد تتسبب في رفع سعر منتجاتها النهائية على المواطن.

هل من الممكن التفوق على هذه التحديات بشكل يعطي القطعة المناسبة من "قالب المشروعات" للجهة المناسبة. أظن أن ذلك ممكناً، اذا استطعنا الوصول الى شراكة تمويلية بين صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسات تمويل دولية؛ مع الزام الشركة الدولية بنسبة من الخدمات/الأعمال تلتزم بتأمينها من السوق المحلي.

يبقى سؤال أخير ومهم، هل من الممكن أن تنجح الوزارة في جذب شركات دولية للاهتمام بتنفيذ مشروعاتها؟ أظن نعم. عدد الوحدات التي استهدفتها الوزارة قائمة على طلب حقيقي وليس على مجرد توقعات، مصدره عدد المستحقين الذين تم فرزهم والتأكد من استحقاقهم، سواء من خلال سجلات الوزارة أو صندوق التنمية العقارية؛ وبالتالي فمسألة الجدوى والقدرة على بيعها محسومتان حتى من قبل الدخول في تعاقدات بنائها.





الخميس، 24 مارس 2016

هل (طريقة احتساب) رسوم الأراضي البيضاء لها تأثير على خفض أسعار العقار ؟




دعنا نبدأ بطرح المسألة أولاً:

هل (طريقة احتساب) رسوم الأراضي البيضاء لها تأثير على خفض أسعار العقار، أم ليس لذلك أثر؟

أظن من المناسب قبل أن نجيب عن المسألة أن نعلق ببعض الملاحظات:

§   الرسوم ليست محركاً مباشراً لمستويات الأسعار. هي محفز لتطوير الأراضي البيضاء، والتي يؤمل منها أن تؤدي لزيادة المعروض في السوق، والذي هو أحد المحركات المباشرة لمستويات الأسعار.

§   أي (طريقة احتساب) للرسوم لن يظهر أثرها الغير مباشر على حركة الأسعار في السوق الا بعد حوالي 2-3 سنوات، وهي فترة الانتظار الغير قابلة للدوران حولها، والناتجة عن الفترة اللازمة لتطوير الأراضي وبناء الوحدات.

§   دور رسوم الأراضي البيضاء مرحلي، وهو يشبه الى حد كبير دور مفتاح السيارة. دوره فقط فتح الدائرة الكهربائية لتسمح ببدء التدوير الأولي للمحرك حتى يصل في دورانه الى سرعة مناسبة لتحقيق دورانه الذاتي بالاحتراق الداخلي، بعدها ينفصل دوره تلقاءياً عن دوران المحرك.

§   بناء على النقطة السابقة، فيجوز أن نتوقع أن دور رسوم الأراضي البيضاء دور متناقص عبر الوقت.

مما سبق، ربما أصبح جلياً أنه ليس من أدوار رسوم الأراضي البيضاء المباشرة، ولا طريقة احتسابها، تحريك أسعار السوق. الدور الرئيسي لها هو التدوير الأولي للدورة العقارية حتى تستطيع تحقيق سرعة دوران كافية لخلق حالة دوران ذاتية مستدامة.

نقطة أخيرة ربما يجب الإشارة اليها، أنه نتيجة وجود فترة الانتظار (الموضحة في النقطة (2) عاليه) وهي تتراوح على الأقل بين 2-3 سنوات؛ في حين أن قرار فرض الرسوم من المتوقع البدء في تطبيقه ابتداء من رمضان القادم (يفصلنا عنه حوالي شهرين ونصف فقط)؛ ما يعني أن الوزارة أمامها فترة حرجة تتراوح مدتها بين 24-36 شهراً بين بدء فرض الرسوم وبين أن يلمس الجمهور أي قيمة على الأرض لما تقوم به الوزارة من تخطيط وعمل؛عليه فالحرص والعناية في إدارة هذه الفترة سيكونان مطلوبان وبالدرجة القصوى.

الخلاصة:

1.  ليس من أدوار رسوم الأراضي البيضاء (ولا طريقة احتسابها) المباشرة تحريك أسعار السوق. الدور الرئيسي لها هو التدوير الأولي للدورة العقارية حتى تستطيع تحقيق سرعة دوران كافية لخلق حالة دوران ذاتية مستدامة. نجاح تصميم طريقة احتساب رسوم الأراضي البيضاء في تسريع الوصول لسرعة الدوران الذاتية المستدامة للدورة العقارية هو معيار أدائها وليس أثرها في خفض الأسعار. 

2.  ربما كان أهم عامل في المرحلة القادمة هو تفعيل حزمة محفزات التطوير العقاري، والتي قد تمكن المطورين من تقليص فترة الانتظار، والتوسع في زيادة المعروض، وتسريع الوصول الى سرعة الدوران الذاتية المستدامة للدورة العقارية؛ الأمر الذي يكافيء جميع أطراف العلاقة بشكل مناسب.



السبت، 19 مارس 2016

الى أين يأخذنا الاصلاح الاقتصادي بقيادة وزارة الاسكان ؟



يبدو أن الدولة قد قررت في الربع الأخير من 2014م أنه لم يعد مناسباً أن يترك القطاع العقاري على ما كان عليه، وأنه قد حان الوقت أن تتدخل بشكل مباشر لاصلاح وضع هذه الصناعة من العشوائية التي كانت تسود غالب جوانبها؛ وكانت خطوتها الحاسمة الأولى في 6 نوفمبر 2014م، حين قامت برفع نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية الى 30%. لقد كانت خطوة ضرورية لتثبيط الحركة العشوائية التي كانت تدور في هذا القطاع، وخفض الضوضاء التي كانت تولدها؛ حتى يمكن الحصول على رؤية أكثر وضوحاً وتقييم الوضع القائم.

ثم أتبعت هذه الخطوة بخطوة مهمة هي اقرار نظام رسوم الأراضي البيضاء في محاولة للضغط من أجل حث الملاك على تطوير الأراضي وزيادة المعروض من الوحدات، وزيادة المعروض من الأراضي في محاولة للضغط على الأسعار لتكون أكثر مناسبة.

بعدها، قامت بالتعاون مع وزارة المالية باقرار الرهن الميسر. خطوة تهدف الى رفع مستويات الطلب مرة أخرى. وأظن أنها ضحت فيها بمكاسب كبيرة من نجاحها في خفض الأسعار. ولكن أظن أنها قدرت أن تثبيط الطلب أطول من ذلك ربما قاد الحالة الى وضع أشبه بكرة الثلج المتعاظمة وربما يقود الى فقد السيطرة على انخفاض الاسعار. ومن جهة أخرى، أظن أنها ارادت الحفاظ على فئة المطورين المتوسطة والصغيرة من الانهيار، خاصة وأنها فئة مؤثرة في نشاط قطاع عريض من هذه الصناعة، والتضحية بها سيؤدي للاضرار بشكل جسيم بالسوق.

كذلك قامت بالتوقيع مع مطورين لبناء 50’000 وحدة؛ وأقرت تطبيق القرض المعجل.

الجدير بالملاحظة هنا هو حركة الوزارة المتقنة بين محفزات الطلب وزيادة المعروض من الوحدات في آن. ولو تتبعنا آثار حركة الوزارة على منحنى العرض (باللون الأزرق) والطلب (باللون البرتقالي) فسنجد أنها تأخذنا فعلياً الى حيث نريد أن نكون؛ فمحصلة ما تقوم به الوزارة سيقودنا الى زيادة حقيقية من المعروض من الوحدات في السوق (من q1 الى q5)؛ والى خفض حقيقي في سعر توازن السوق بين العرض والطلب (من p1 الى p5).

أظن أن الوزارة أظهرت حرفية عالية جداً حتى الآن، في الخطوات التي اتخذتها، وفي ترتيب خطواتها؛ وأظن أنها استحقت بجدارة الثقة التي أوليت لها؛ ولكن لا يزال أمامها الكثير مما ننتظره منها.


نحو تأسيس موسوعي لذاكرة الفرد



اختيار القرآن الكريم لتأسيس ذاكرة الفرد قد يكون أمثل الاختيارات. فهو كتاب محدد من حيث عدد سوره، والكلمات التي يحويها، ولكنه في نفس الوقت يتمتع بضمانة "ما فرطنا في الكتاب من شيء".

وبهذه الصفة، فهو قادر على منح ذاكرة الانسان كل النشابات الممكنة لالتقاط أي بيانات او معلومات يستقبلها الشخص من محيطه؛ برغم كونه مادة محددة.


كل ما سواه كثرة تصل الى حد اللانهاية، وبالتالي ليس لها القدرة العملية لكي تكون مادة أساس؛ كما وليس لها ضامن أن تشتمل على (كل) النشابات التي تحتاجها الذاكرة لالتقاط البيانات او المعلومات التي يستقبلها الشخص من محيطه.



الثلاثاء، 8 مارس 2016

قطاع نقل الركاب العام



نطاق الأعمال الرئيسي لهذا القطاع هو نقل الركاب العام؛ ويتفرع منه وحدات أعمال أخرى مثل العقود الموسمية، والنقل المدرسي، والشحن، والليموزين.

الملفت عند القاء نظرة على التقارير المالية لواحدة من أهم شركات القطاع – الشركة السعودية للنقل الجماعي – انخفاض التكلفة التشغيلية محلياً بنسب غير طبيعية عند مقارنتها بانشطة مقابلة في اسواق أكثر نضجاً.

كان يمكن أن نعطي هذه المعلومة "منحة الشك" لولا أن هذا الانخفاض الكبير يأتي بشكل مؤثر في ثلاثة بنود مهمة، مثل:

§        الرواتب وما في حكمها.
§        الصيانة والاصلاح.
§        والاستهلاكات.
وفي هذا القطاع خصوصاً، الانخفاض الكبير جداً في بند الرواتب يطرح شكاً كبيراً في النوعية المستقطبة من السائقين؛ والانخفاض الكبير في بند الصيانة والاصلاح يطرح شكاً كبيراً في مدى جودة وسلامة حالة المركبات؛ والانخفاض الكبير في بند الاستهلاكات يطرح شكاً كبيراً في عمر المركبات وصلاحيتها.

لست هنا للتشكيك في أي شيء. ما أقوله هو أنه يتوجب علينا أن نفحص انعكاسات هذه المعلومة على الواقع بأن نُخضِع هذا القطاع لمراجعة جادة - من جهة الجهات الرقابية فيه - فيما يخص هذه البنود الثلاثة، للتأكد من الالتزام بالمعايير التنافسية المعمول بها في هذا القطاع فيما يتعلق بالنوعية المستخدمة من السائقين، وجودة وسلامة المركبات، وعمر المركبات وصلاحيتها.

النقطة الأخرى التي أود التعليق عليها تتعلق بمخصصات الدعم التي تحصل عليها الشركات المقارنة. فمن المعلوم أن خدمات نقل الركاب العام خدمة مهمة وحيوية لاي مجتمع، وبالتالي، تحرص الادارات المحلية على تخصيص دعم من ميزانيتها لشركات النقل العام للحصول على خدمة مميزة لسكانها وللمساهمة في تطوير خدمات هذا القطاع لصالحهم.

كما تقدم الحكومة عادة برامج تعويض مالية لتحفيز الشركات العاملة في هذا القطاع على الاستثمار فيه.

لا تظهر التقارير المالية للشركة السعودية للنقل الجماعي مثلاً وجود مثل هذا الدعم. ولكن عملياً يبدو أن الشركة قد انتبهت الى الفرصة الأخيرة عاليه من الايرادات من خلال تقدمها لتنفيذ مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام بمدينة الرياض.

قطاع واعد ومهم واظن أن تطوراته القادمة ستغير بطريقة جذرية اسلوب الحياة الذي نعيشه اليوم.



الأربعاء، 2 مارس 2016

كلا ان معي ربي سيهدين - عن العلاقة السببية بين الأشياء



المهتم بدراسة العلاقات السببية بين الأشياء لابد أن تلفته بعض الحوادث والأحداث المرصودة في الكتاب والسنة الشريفة.

§        حالة النمروذ، حالة اكتملت كل أسبابها الطبيعية، ولكن نتيجتها أُمِرَت أن تمتنع عن الحصول. والنتيجة أن النار أوقِدت ونشبت ولكنها فقدت حريقها ولظاها!

§        حالة موسى عليه السلام وفلقه البحر بعصاه. نحن هنا أمام سبب ليس من نتائجه الطبيعية فلق البحر على الصورة التي جرت، ولكن النتيجة حصلت بغض النظر عن ذلك!

§        حالة سيف عكاشة – رضي الله عنه – في غزوة بدر (كُسِر سيفه أثناء المعركة، فجاء الى النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي التقط جذل حطب فانقلب في يده الشريفه سيفاً ناوله عكاشة). وهنا نحن أمام شيء موجود، تغير وجوده، ليناسب أن يكون سبباً طبيعياً لنتيجة ما!

أظن أن هذه الحالات الثلاث، وغيرها من التباديل والتوافيق - الممكنة والغير ممكنة في تصورها - لابد أن تؤكد عندنا أن ما نتصوره عن أسباب طبيعية في حياتنا ما هي الا حالة خاصة محدودة من طلاقة القدرة الالهية. ولكنها غير حاصرة ولا مقيدة بحيث لا تتم النتائج الا بها. وأنه ليس هناك علاقة حاكمة بشكل مطلق بين السبب والنتيجة؛ وأن صيحة موسى عليه السلام: "كلا ان معي ربي سيهدين" هي الأكثر صدقاً وأصالة من أي أسباب طبيعية.

وهذا يدفعنا الى النقطتين التاليتين:

  • لابد أن يتواضع الأنسان كثيراً أمام ما حققه، وليس صادقاً أن يدعي: "انما أوتيته على علم عندي"؛ فليس هناك علاقة حاكمة مطلقة بين أي أسباب قد يكون قدمها والنتائج التي حققها؛ وعليه أن يكون ممتناً أكثر لله الذي هداه الى الأسباب المناسبة لتحقيق ما تحقق.
  • خروج التفكير من"الصندوق المغلق" للعلاقة بين الأسباب الطبيعية والنتائج يفتح الفضاء للوصول الى حلول غير تقليدية مستقلة عن القيود السرابية بين الأسباب والنتائج التي قيدتنا يوماً ما؛ وقد يفتح الباب لالهامات أسباب جديدة قريبة عهد بربها.