الاثنين، 7 ديسمبر 2020

تطور المعرفة بالله - تجربة عيسى عليه السلام

 

 

{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}. العبد ليس له إرادة مستقلة في مواجهة سيده٬ وهو تعالى آخذ بناصيته حيث شاء؛ وحكمته تقتضي عدله٬ الذي يطلب انعامه على العبد بِعزَتِه وحصانته من عذابه؛ لعلمه ان ليس للعبد من الأمر شيء، إلا ظاهراً من الحياة الدنيا. 




الأحد، 15 نوفمبر 2020

المعرفة الآدمية بالله - من ابراهيم الى يعقوب عليهم السلام أجمعين

 


تجربة إبراهيم عليه السلام

 

غير صحيح أن الله يُعرَف من غير نظر في العالم. 

 

نَعَم يُعرَف كذات قديمة أزلية٬ ولكن لا يُعرَف أنه إله حتى يُعرف المألوه. ولا يتم ظهور المألوه الا بتخلله جميع نِسَب الحق المعبر عنها بالأسماء.

 

ثم اعلم أنه ما تخلل شيء شيئاً الا كانا محمولان في بعضهما..

 

فان كان الخلق هو الظاهر٬ فالحق مستور باطن فيه - "كنت سمعه وبصره" كما جاء في الخبر.. 

 

وإن كان الحق هو الظاهر٬ فالخلق مستور فيه – وهم جلاء نِسَبه التي هي عينه.

 

   

تجربة إسحاق عليه السلام

 

الانسان يتلقى من حضرة الخيال رسائل خلال مرحلة النوم. مجمل تلك الرسائل مشفرة وتحتاج الى فك رموزها في عالم الواقع٬ وتعبيرها٬ قبل التعاطي معها. إبراهيم الخليل عليه السلام كاد أن يذبح ابنه عندما صدَّق رؤياه كما هي ولم يعبرها!


الا إذا رأى الرائي النبي صلى الله عليه وسلم٬ فانه يأخذ عنه جميع ما يأمره به أو ينهاه عنه أو يخبره٬ فان الشيطان لا يتمثل بصورته صلى الله عليه وسلم. اما إذا أعطاه شيئاً فان ذلك الشيء هو الذي يدخله التعبير.

 

وإذا رأى الحق تعالى في صورة يردها الدليل العقلي فإنها تعبَّر بالحق المشروع في حال الرائي أو المكان الذي رآه فيه أو هما معاً٬ وإن لم يردها الدليل العقلي فيكون قد رآه كما نرى الحق في الآخرة سواء.

 

وفي الاتجاه الآخر٬ قد يخلُق الانسان بالوهم في حضرة خياله ما لا وجود له الا فيها. وبإمكانه نقله منها الى حضرات أخرى غير حضرة خياله وحفظه فيها.

 

 

تجربة إسماعيل عليه السلام

 

كل موجود فهو موجود على بصمة أسمائية مميزة تحدد مخرجاته. وعلى ذلك فكل أفعاله "مرضية" عند ربه الذي هو هويته. ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضياً٬ أن يكون مرضياً عند رب عبد آخر.

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

المعرفة الآدمية بالله ما قبل الطوفان - تجربة نوح عليه السلام

 


صُوَرُ العالم لا يمكن زوال الحق عنها. فأي صورة اذا زال عنها الروح لم يعد هناك فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة٬ فحد الالوهية لها بالحقيقة لا بالمجاز.. 

 

ولذلك قيل "ما عُبِد [على الحقيقة] غير الله في كل معبود". ولما عَبَد اناس بعض الصور متوهمين عبادتهم للحق في صورها٬ واراد الحق اعادتهم الى رشدهم٬ خاطبهم بـ "قل سَمُّوهُم" لينتبهوا الى ما وقعوا فيه من خطأ في توهمهم. 

 

وعليه فان الدعوة الى الله من حيث هويته محسوم، وبذلك تكون قراءة"وقضى ربك الا تعبدوا الا إياه" على سبيل الحكم لا الأمر؛ وما بقي الا أن تكون الدعوة اليه من حيث الربوبية والانابة اليه. 

 

ثم ان تلك الروح المتخللة الصورة ليست هي الصورة المادية الوجودية للصورة٬ فـ "ليس كمثله شيء". ولا هي متبرئة منها بشكل محض٬ فقد حكى عن نفسه تعالى بأنه "السميع البصير"٬ فشبه بها..

 

ولذلك عُدّت تلك الأطراف القصوى من كل جانب في وصف الروح إساءة ادب مع الله٬ وجرت السِنَةُ الرسل بكل الطَّيف بينهما.





المعرفة الآدمية بالله ما قبل الطوفان - تجربة ادريس عليه السلام

 


لو قتل شخص شخصاً آخر بسكين٬ فان السكين في يد القاتل تسمى "أداة الجريمة"؛ ونفس السكين في يد الشرطة التي باشرت الواقعة تسمى "حرز مسرح الجريمة"؛ وهي هي نفسها في يد وكيل النيابة تسمى "دليل الاتهام"..

 

جميع الأوصاف المختلفة لم تغير من اصل السكين شيء..

 

والسكين هو نفسه المتصف بكل وصف منها بلا شك..

 

وهي في يد كل طرف لا تحتمل وصفها بالوصف الذي وصِفَت به في يد غيره..

 

والسكين في اصلها خالية من كل الاوصاف والنعوت٬ واكتسبت كل نعوتها ممن وجدت في حوزته.

 

وبالمثال٬ فعلم الله متجرد عن اوصاف الحمد والذم٬ وقد وسعت رحمته تعالى كل شيء؛ والاوصاف والاحكام المختلفة حكمت بها عليه القوالب المتنوعة التي تجلى فيها٬ دون ان تغير من اصله شيء.





السبت، 31 أكتوبر 2020

المعرفة الآدمية بالله ما قبل الطوفان -تجربة شيث عليه السلام

 

                              

تُقَدِّم تجربة شيث عليه السلام مخططاً لحركة سؤال العبد من العطايا الإلهية. وهو يشير الى أن علم الله المحيط هو المحرك الأول لكل عطية الهية؛ وانها لا تتجلى الا بصورة استعداد العبد، الذي يحرك سؤاله، ثم اذا وافق سؤاله قَدَرَ ظهور ما سأل، فان الدائرة تعود الى استعداد العبد فيُخرِجُ ما سأل الى الوجود.

 

وهذا يطرح سؤالاً محورياً هنا: اذا كان العبد لا يَسأل الا ما هو في علم الله اصلاً، فكيف يكون في علم الله ما هو مذموم حكماً اوشرعاً اوعرفاً؟ هذا ما ستقدمه تجربة ادريس عليه السلام..

 

كما أن المخطط يثير مجموعة من النقاط الملفتة الأخرى التي تستحق التنويه:

 

·      سؤال العبد ليس تحركاً مستقلاً، وانما هو منفعل اساساً بعلم الله المحيط، المحرك الأول لكل العطايا. وبالتالي لا يَسأَل عبد الا مما هو في علم الله اصلاً.

 

·      كل عطية لها بصمة اسمائية، مميزة لها عن غيرها، تحدد مواصفات مخرجات تلك العطية.

 

·      استعداد العبد له وجهان مزدوجان. وجه باتجاه باطنه يستقبل به تجلي عطاياه تعالى، ووجه باتجاه العالم قادر على اظهار تجلياته تعالى في أعيان الموجودات.


·      تعيُّن الموجود في العالم، ليس الا علم الله المحيط، في مسألة العبد التي تعين عنها الموجود، متجلياً في أعيان الموجودات.





الخميس، 29 أكتوبر 2020

المعرفة الآدمية بالله ما قبل الطوفان ـ تجربة آدم عليه السلام

 

 

بعد قراءات عديدة لكتاب (فصوص الحكم) للشيخ الأكبر، أظن أنني اقترب اكثر واكثر من تصور أن المؤلف ربما اراد من الفصوص، المرتبط كل منها بنبي من الانبياء، أن يقدم رصداً لتطور المعرفة البشرية بالله من خلال تتبع كل نبي من الانبياء في تجربته الخاصة مع الله.

 

وفي هذا المقال المختصر، سأحاول تقديم تصورات المؤلف عن تطور هذه المعرفة البشرية المباشرة بالله في الفترة التي سبقت الطوفان كعينة على ما يمكن أن تنتجه هذه المحاولة اذا استمرت لتغطية كل الانبياء؛ وبالتالي فان المقال سيتعرض لتجربة اربعة انبياء فقط من مجموع الانبياء المذكورين، وهم: آدم، شيث، ادريس ونوح عليهم السلام اجمعين.

 

ولعله من الملفت في سرد الكتاب اختلاف ترتيب بعض الانبياء فيه عن التسلسل التاريخي لظهورهم. اما بالنسبة للمقال فانه سيلتزم بالسرد التاريخي وسيترك للقاريء حرية البحث والتفكير في اعتماد المؤلف ترتيباً مغايراً لذلك.

 

وكذلك سيلتزم المقال مع كل نبي بالوقوف مع تجربته الخاصة التي تميزه، وسيتوقف ما امكن عن التجارب المستطرقة بين الانبياء.

 

وربما يتضمن المقال بعض التعليقات على الهامش كلما كان ذلك مناسباً.

 

 

تجربة آدم عليه السلام

 

أنشأ الله العالم على صورة مختصرة من أسمائه؛ ثم خلق آدم – أول صورة محيطة جامعة لما في الصورة الالهية من الاسماء. وبذلك يبدوا آدم كنسخة اسمائية متطورة عما سبقه من خلق الى هذا العالم.

 

وقد لا يكون واضحاً فضل احاطة خلق آدم للأسماء كلها.. 

 

ولكننا لو امعنّا النظر مثلاً في استغفار آدم عن اكله من الشجرة، وتكبُّر ابليس عن نفس جنس الاستغفار عند امتناعه عن السجود، لعَلِمنا كيف أن عدم استغفار ابليس صدر عن عجز وليس عن استكبار؛ وأن ابليس ابتلى نفسه بعدم  مراعاة خَلْقِهِ على صورة مختصرة من الأسماء لم تعطه العلم بالاستغفار الذي أحاط به آدم؛ وبذلك وقف عاجزاً عن تقديم توبة مثل التي قام بها آدم.

 

ثم انه تعالى أنشأ صورة آدم الباطنة على صورته تعالى، فنفخ فيه من روحه، فكان صورته من جميع الوجوه (الا في افتقار آدم اليه تعالى في الوجود، وغناه تعالى عن مثل ما افتقر اليه آدم).

 

ونظراً لظهور صورة آدم الباطنة بصورته تعالى، فقد احالنا تعالى (الخلق الآدمي) في العلم به الى انفسنا لنستدل بنا عليه.

 



الأربعاء، 26 أغسطس 2020

وزراء النفط السعودي.. القصة كما لم ترو من قبل



اول وزير للنفط هو معالي الوزير عبدالله الطريقي. دخل الوزارة على خلفية الدفاع عن السيادة على الثروة الوطنية، ولكنه اخطأ الفصل بينها وبين دعاوى القومية، وكانت النتيجة هي مغادرته السريعة لمنصب الوزارة.

 

جاء بعده الشيخ احمد زكي يماني، والذي تحقق على يديه أهم ثلاث نتائج في تاريخ النفط السعودي على الاطلاق: الأُولى، استطاع قيادة المطالبة بالسيادة على الثروة الوطنية  بالطرق القانونية بعيداً عن التشنجات القومية وتوتراتها التي انهكت مستقبل الجيران في المنطقة وعرضتهم ومستقبلهم لمخاطر جسيمة. ثانياً، تحققت اكبر طفرة في الإنتاج استطاعت المملكة ان تستفيد منها في اكتساب دور دولي مهم في الحفاظ على توازن سوق النفط؛ وأن تستفيد كذلك من مداخيل نفطية كبيرة، من دور المنتِج المرن الذي هيأته لها تلك الفوائض الإنتاجية والتي كانت وراء طفرة السبعينات من القرن الماضي التي غيرت وجه الحياة المعاصر في المملكة. ثالثاً، أصبحت المملكة القوة الأكثر تأثيراً والمحرك لسياسات الأوبك بعد ان استطاع  الوزير يماني انتزاع هذا الدور لصالح المملكة - بعد أن كان تقليدياً قبل ذلك لإيران بحكم التأسيس.

 

ولكن نشوة السيطرة على مقعد القبطان في الأوبك طغت معها تصورات القدرة على التحكم في أسعار النفط في الأسواق العالمية من خلال التحكم في كميات الإنتاج. ولم يكن ظاهراً حينها بشكل واضح حجم التآكل الحاصل في جذور عمل التكتلات النفطية من تحت السطح الظاهري من خلال نشاط شركات سمسرة استطاعت أن تخلق اول صورة بدائية لسوق آنية لتداول النفط بعيداً عن تحكم التكتلات النفطية، بأن تعقد صفقات مع الدول حديثة العهد بإنتاج النفط تقوم بموجبه شركات السمسرة بتوزيع نفط تلك الدول في الاسواق العالمية.

 

بدأ نشاط السمسرة باهتاً في النصف الثاني من السبعينات، ولكنه سرعان ما استغلظ واستوى على سوقه، حتى اصبح في أوائل الثمانينات اتجاهاً استطاع أن يهز اوبك؛ ويسقط الوزير من كرسي الوزارة.

 

تولي المنصب بعده معالي الوزير هشام ناظر. اختار الوزير ناظر ذهنية الاعتماد على القدرات التنافسية لقنوات التوزيع الحديثة في أسواق النفط، والميزة النسبية الكبيرة للتكلفة المنخفضة لانتاج النفط السعودي، للخروج من مصيدة العجز عن الحركة التي تسببت فيها ذهنية سلفه. وفعلاً، استطاع تحرير المداخيل النفطية من اتجاهها الهابط عن طريق تمرير كميات اكبر من الانتاج للأسواق.

 

ويحسب له بشكل خاص قيادة سياسات نفطية ناجحة خلال فترة حرب الخليج، استطاعت ان تحافظ على تدفق الدخل، من المورد الأوحد تقريباً للدولة، بدون مطبات عنيفة في ظروف متطلبات حرب غير مسبوقة في المنطقة مسرح عملياتها الرئيسي في ضيافة المملكة وما ترتب على ذلك من ضغوط مالية غير متوقعة.

 

تعاظم اهمية سوق تداول النفط الآنية خلال العقد الذي تولى فيه الوزير هشام ناظر شجعت تصورات إمكانية الاستفادة من سياسات نفطية تعتمد على ابتسامات الحظ في سوق تداول النفط؛ وكان لابد من الباس السياسات التي تراهن على ابتسامات الحظ قناعاً من قلب الصناعة يضفي عليها الطابع الفني التخصصي؛ ومن هنا بدأ التفكير في معالي الوزير علي النعيمي.

 

بالإضافة الى مهامه، حاول الوزير النعيمي ان تكون له بصمته المستلهمة من استاذه فرانك جنجرز، الذي كان القلب المحرك الذي انجز في السبعينات من القرن الماضي الطفرة في الإنتاج والتي ساهمت في تغيير وجه الحياة في المملكة. ولكن الوزير النعيمي فشل في جانب ونجح في جانب. فشل بامتياز في إنجاح مبادرة الغاز والتي كان المأمول منها احداث نقلة نوعية في الثروة الهيدروكربونية في المملكة؛ ولكن في ناحية أخرى، نجح في إيجاد صيغة مكنت للاستفادة من طاقات أرامكو في تنفيذ بعض المشرعات التنموية الهامة للدولة، والتي انعكست نتائجها ايجاباً على نواحي مهمة من حياة المواطنين.

 

ما اضر بالوزير النعيمي هي تصوراته انه قادر على القضاء على النفط الصخري باستغلال الميزة التنافسية لانخفاض تكلفة انتاج النفط السعودي؛ ولكن تقاطع توقيت انهيار أسعار النفط المفاجيء، نتيجة سقوط الدفع الأمريكي لجهود الفوضى الخلاقة في جمهورية مصر العربية مع مشروعه، قضى على أحلام الوزير وعلى منصبه.

 

ثم جاء العملاق، الوزير خالد الفالح. لقد استطاع ترميم الأسعار وإعادة الحياة للتكتلات النفطية من خلال فكرة عبقرية بسيطة وهي تحويل معول الالتزام بين المنتجين من الإنتاج الى التصدير (كميات التصدير ذات تأثير مباشر في المعروض في الأسواق، بعكس الإنتاج الذي لا يتمتع بنفس قوة الارتباط). لقد استطاع بهذه الفكرة الرشيقة أن يعطي رافعة كبيرة جداً لتأثير التكتلات النفطية؛ واحدث ذلك طفرة غير مسبوقة في استعادة ثقة الدول المنتجة للنفط في جدوى تكتلها وقوة تأثيرها على الأسواق.

 

ولكن التكتلات التي انجحته، وخاصة التقارب مع الجانب الروسي، خلقت نظرة مزدوجة غير مريحة لدى الجانب الأمريكي. لقد تخطى هذا التقارب في تقديرها خط المصالح التجارية المجردة، وهو ما لم تحتمل التصورات الامريكية تطوراته المحتملة. وراينا بعدها الوزير يغادر منصبه بهدوء. 

جاء اخيرآً سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وهو يحمل افكاراً مثالية لما ينبغي ان تكون عليه سوق النفط، ويحاول ترويضها وتهذيبها باستخدام الفوائض الإنتاجية المتاحة للمملكة. وقد نجح في الجولة الأولى، رغم قسوة ظروفها، وننتظر له المزيد من النجاحات في منصبه.

 

          

الخميس، 6 أغسطس 2020

عبقرية فرانك جنجرز– بناء قدرات المملكة كمنتج مرن للنفط



في 8 مارس 2020م اندلعت حرب اسعار بين اثنين من اكبر منتجي النفط؛ المنتج السعودي والمنتج الروسي.

 

المنتج الروسي، حاول خرق تفاهمات اوبك بلس في وقت شديد الحساسية خلال ازمة كوفيد-19 بالانسحاب من مفاوضات ارساء الحصص لتجاوز اثار الازمة؛ في حين ان الطرف السعودي على الجانب الآخر كان يرى ضرورة تماسك تفاهمات الاوبك والاوبك بلس، وانه لا ينبغي لأي طرف من اطراف التعاون خرق التفاهمات، واستغلال الظرف الحرج وعديم المرونة لكثير من الاعضاء الآخرين، في تخريب هيكل الحصص السوقية بينهم.

 

لقد اضطر ذلك، الجانب السعودي، لاستخدام فائض الانتاج النفطي الذي تتمتع به دوناً عن غيرها من المنتجين، واغراق الاسواق العالمية. الامر الذي ادى الى خفض متوسطات الاسعار الفصلية للنفط بحوالي 65% تقريباً، مما اجبر الجانب الروسي عملياً على العودة الى طاولة المفاوضات.

 

السؤال المهم: من كان وراء بناء قدرة فائض الانتاج النفطي في ارامكو التي اعتمدت عليها المملكة في تحركها خلال الازمة؟

 

قد يتبادر الى الذهن أن بناء هذه القدرة تم بشكل متنامي عبر تاريخ انتاج الشركة.. 


الحقيقة  ان ذلك غير صحيح. بالنظر الى تاريخ انتاج ارامكو، يتضح ان معظم هذه القدرة تم بناءها خلال النصف الاول من السبعينات من القرن الماضي.

من الناحية الفنية، فان بناء هذه القدرة تحمل مسئوليتها رئيس ارامكو الاسبق، السيد فرانك جنجرز، الذي تولى منصبه في العام 1971م واصبح لاحقاً رئيساً لمجلس ادارتها بين الفترة 1973-1977م.

 

تبنى السيد جنجر تلك التوسعات الضخمة في القدرات الانتاجية والتخزينية بناء على توصيات من مكتب ارامكو في نيويورك، والتي قدرت أن الطلب على النفط في الولايات المتحدة واوروبا خلال عقد السبعينات سوف تتجاوز المعروض المتاح لها بحوالي 50%؛ وان المملكة باستطاعتها ان تستفيد من تلك الفجوة ببناء فوائض انتاجية يمكن ان تستخدمها في سد بعض ذلك الطلب، وكذلك عن طريق استفادتها من العوائد التي يمكن ان تحققها من لعب دور المنتج المرن لاحقاً.

 

ولقد رات القيادة السعودية متمثلة في جلالة الملك فيصل رحمه الله؛ والادارة السعودية متمثلة في وزير النفط الاسبق الشيخ احمد زكي يماني، أن تلك التوسعات من شأنها خلق واقع جديد يغير من حياة المواطنين الى الأفضل فمنحتها مباركتها.





الجمعة، 12 يونيو 2020

دور المملكة من خلال اوبك و اوبك+ وارامكو في عكس الاتجاه الهابط لاسعار النفط



منتصف ابريل ٢٠٢٠م وصل حد الضيق بالاغلاق الاقتصادي الى درجة انشأ معها الرئيس ترامب لجنة لقيادة عملية فتح الاقتصاد في مواجهة القوة الضاغطة من المختصين في مجال الصحة من دعاة الاحترازات المتشددة لمنع انتشار عدوى ال كوفيد-١٩..

 

وتطورت الدعوات لاعادة فتح اقتصادات الدول تطوراً دراماتيكياً عندما قام الرئيس البرازيلي في ١٨ ابريل ٢٠٢٠م باعفاء وزير الصحة لمواقفه المتشددة الداعية للاستمرار في الاغلاق الاقتصادي للبلاد..

 

تبع تلك التطورات ضغط متكرر وبلهجة متصاعدة من الرئيس الامريكي في ٦ مايو ٢٠٢٠م على حكام الولايات لاعادة فتح اقتصاداتها..

 

هذه التطورات المطالبة باعادة فتح الاقتصادات حول العالم، متزامنة مع ظهور تقارير اولية عن حمولات الحاويات النفطية في ١٩ مايو ٢٠٢٠م، والتي تظهر التزاماً متماسكاً من قبل اوبك واوبك+ بالتخفيضات المقررة كان كفيلاً بقلب اتجاه اسعار النفط من ادنى نقطة خلال الازمة والاتجاه نحو الارتفاع..

 

وبقي ضرورة ان تشعر الاسواق بتحسن في هوامش الارباح لتشجيع عودة النظرة الايجابية للاسواق والمنتجين، وهو ما حاولت ارامكو ان تقوده بالتزامن مع اجتماع اوبك و اوبك+ في ٦ يونيو ٢٠٢٠م.








السبت، 30 مايو 2020

عندما البس الفيدرالي الامريكي (طاقية الاخفاء) لاموال الانقاذ الاقتصادي في 2008م



لابد ان يكون ملفتاً حالة الهدوء النفسي الذي صاحب قرارات دول عديدة باغلاق اقتصاداتها رغم ما يترتب على ذلك من خسائر فادحة للاسواق..

 

فحتى لو فكرت في تجاوز هذه الآثار بالعقلية التي سبقت دروس العام 2008م بطباعة كميات اضافية من النقود لمواجهة هذا الاحتياج الطاريء فمن الطبيعي ان هذا الاجراء كان سيترتب عليه اثار تضخمية سلبية مرعبة.

 

ولكن ما الذي تعلمته الحكومات من دروس من الازمة المالية في 2008م وجعلها اكثر راحة تجاه الازمة الحالية؟

 

لقد استطاع الفيدرالي الامريكي وقتها النجاح في ضخ كميات هائلة من النقود في الاقتصاد مع الابقاء على مستويات التضخم متدنية بشكل مذهل!

 

ما الذي ساعد الفيدرالي الامريكي على تحقيق ذلك؟

 

لقد ساعدته الاجراءات الثلاثة الاساسية التالية:

 

§         زيادة قبضة الدولة على الشركات الكبرى في الاقتصاد الامريكي؛ الامر الذي ساعدها على التحكم والتحفظ في درجة انفاق تلك الشركات.

§         التركيز فقط على انقاذ الشركات الكبرى التي تسببت الازمة في تعثرها، وترك الشركات الفاشلة لمواجهة مصيرها بذاتها.

§         التركيز على تشجيع متابعة النشاطات الاقتصادية عبر المنصات الالكترونية والتوسع في ذلك.

 

لقد اسهمت تلك الخطوات بشكل اساسي في التقليص من تداول النقد، وجعلت النقد الاضافي الذي تم ضخه في الاقتصاد يمر مرتدياً (طاقية الاخفاء) بعيداً حتى عن احساس اقرب اثاره المباشرة – التضخم.





الاثنين، 25 مايو 2020

الحوارات الالهية المباشرة مع الخلق في القرآن




حاولت اثناء ختمي للمصحف هذا العام أن ارصد الحوارات الالهية المباشرة مع الخلق، بصفته مصدر معصوم ومحفوظ، وأنه يحكي الرواية من احد اطرافها مباشرة..

 وقد نتج عن هذه القراءة مجموعة من الملاحظات التي احب مشاركتها معكم.

اولاً، أن مجمل المواضع التي جرى فيها حوار مباشر بين الله وخلقه مجموعها ستة عشر موضعاً، هي:

ثانياً، أن كل الحوارات جرت من مقام الربوبية وليس من مقام الالوهية. وبالتالي فقد جرت من جهة العالم الموجود وليس من جهة حضرة الذات الالهية؛ الا الحوارات التي جرت مع العزير وعيسى عليهما السلام، فقد جرت من مقام الالوهية.

ثالثاً، أطول تلك الحوارات جرت مع موسى عليه السلام، ثم تلك التي جرت مع ابليس. وتتميز الحوارات مع موسى بتنوع موضوعاتها، ومناسباتها، ووصولها احياناً الى ارشادات تفصيلية خطوة بخطوة بين السماء وموسى عليه السلام!

رابعاً، غياب كثير من الرسل عن الحوار المباشر مع الله ملفت؛ ولا شك ان حال اكثرهم دهشة هو آدم عليه السلام؛ فبالرغم من ان الله خلقه بيديه الا انه لم يدر بينه وبين خالقه اي حوار مباشر!

خامساً، استغرق الانسان اربعة اجيال تقريباً حتى يمكنه اجراء أول حوار مقتضب جداً دار بين الله ونوح عليه السلام؛ والى سبعة عشر جيلاً او تزيد ليصل الى حوار مباشر موسع وطويل نسبياً بين الله والانسان من خلال الحوارات مع موسى عليه السلام.

على أمل العودة مجدداً لاستكشاف مزيد من جوانب الحوارات الالهية مع الخلق، ارجو من كل مهتم مشاركة انطباعاته في خانة التعليقات على المقال.

أطيب التمنيات.. وعيداً سعيداً لكم ولكل من تحبون..





الخميس، 30 أبريل 2020

كيف وصل الرئيس السادات الى الانفتاح الاقتصادي




أظن ان أفضل نقطة نبدأ حديثنا منها هي نصيحة الرئيس كينيدي لجلالة الملك فيصل للخروج منتصراً من حرب اليمن:

التقليل من احتمالات الاشتباك مع الجانب المصري الى الحد الأدنى، وتسريع وتيرة التنمية الداخلية بأقصى سرعة ممكنة.

المهم في هذه النصيحة انها تمثل الفرق الاصيل بين نهج الولايات المتحدة ونهج الاتحاد السوفيتي مع الدول التي دارت في فلكه، والذين اغراهم بمعارك ايديولوجية على حساب التنمية الداخلية الاساسية في دولها.

وليس هناك نتيجة صارخة تعبر عن تباين النتائج بين معسكر الولايات المتحدة ومعسكر الاتحاد السوفيتي في المنطقة اكثر من نتائج مؤتمر القمة الذي عقد في الخرطوم عام 1967م. لقد كانتا المملكة والكويت هما اكبر المانحين للمساعدات؛ وكانت مصر هي اكبر المتلقين للمساعدات وخارجة للتو من خسارة عسكرية عميقة فادحة.

ولابد ان ذلك قد طبع اثراً بالغاً على تقديرات السيد الرئيس جمال عبد الناصر لاحقاً عندما حان الوقت مجدداً في ديسمبر 1969م للتفكير في شخصية مناسبة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية.

واظن ان ماجرى لابد وانه اعاد الى السيد الرئيس جمال عبد الناصر صورة السبب الرئيس الذي قامت لاجله ثورة 52م ومعيار نجاحها وهو: تحسين مستوى معيشة الغالبية العظمى المحرومة من العدالة الاجتماعية في مصر؛ وهو ما فشل في تحقيقه الدوران في فلك الاتحاد السوفيتي؛ بينما نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه للدول التي ارتبطت بها.

ولذلك، فان التفكير في شخصية مناسبة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية كان ولابد ان يُحضِر في الذهن ضرورة تمتعه بمرونة تسمح بتغيير ذهنيته لصالح اهداف الثورة التي فشل الارتباط بالاتحاد السوفيتي في تحقيقها؛ ويتمتع بعلاقات تسمح له بخدمة تلك الذهنية الجديدة. ولم يكن هناك من تنطبق عليه تلك الاعتبارات بأكثر من السيد محمد انور السادات.

*****
يقول الاستاذ هيكل عن السيد الرئيس السادت في بدايات العام 1972م:

وكان تشخيصه سليماً لمأزق الحل والحرب.

فالحل: في جزء كبير منه في يد الولايات المتحدة.
والحرب: في جزء كبير منها في يد الاتحاد السوفيتي.
  
والشاهد هنا تأمينه على تقييم الرئيس السادات. وهو يعطي انطباعاً عن الرأي العام الذي ساد في تلك الفترة. ولا شك أن العودة للحروب الايديولوجية، والمغامرات العسكرية الفاشلة، والوقوف في طابور تلقي المساعدات العربية على تلك الحالة التي جرت في 1967م لم يكن من الممكن ان يكون خياراً واعياً اميناً مرة اخرى؛ ولذلك بدأ البحث عن طريق بديل لتحقيق اختراق جديد مع الولايات المتحدة لتكون راعية لحل جديد للازمة.

كان فشل مبادرة روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة في العام 1971م قد اوجد قناعة لاحقة عند الرئيس السادات أن القالب البيروقراطي للخارجية الامريكية ليس لديه جديد مما يمكن ان يقدمه لحل الازمة.

ووسط حالة الوجوم والجمود تلك، وفجأة، فجر السيد هنري كيسينجر مستشار الامن القومي لرئيس الولايات المتحدة مفاجأته المدوية بنجاحه في زيارة الصين وكسر الجليد في العلاقات الامريكية – الصينية والذي انهى قطيعة دامت حوالي الربع قرن مع الصين.

هنا وجد الرئيس السادات ضالته. فقد ادرك ان اعادة طرح الازمة على الادارة الامريكية مجدداً لابد ان تكون من بوابة مستشار الرئيس لشئون الامن القومي. فعلى العكس من الخارجية الامريكية، بدا ان السيد هنري كيسنجر لديه قدرات غير تقليدية للتعامل مع الازمات الغير تقليدية، وهو ما كانت تحتاجه الازمة في الشرق الاوسط تحديداً.

ولكن المشكلة أن السيد هنري كيسينجر كانت له شروطه للتدخل في الازمات:

·        اولاً، أن يقبل طالب التدخل ان يقدم بادرة تثبت حسن نواياه ورغبته.

·        ثانياً، أنه لا يقبل الاقتراب من الازمات الا اذا كانت على صفيح ساخن، فحينها فقط يتوقع لها ان تنضج.

وبعد مرحلة من التفكير العميق؛ بدا ان الرئيس السادات خرج من عزلته وبيده الالواح التي فيها الاجابات على مسائل كيسنجر.

كانت هناك حالة من عدم الرضا في اوساط الجيش المصري عن  المساعدات العسكرية السوفيتية والتي كان الانطباع عنها انها تضع الجيش المصري متأخراً خطوات نوعية عن الاسلحة والمساعدات الامريكية للجيش الاسرائيلي..

فكانت ضربته الاولى التي اختارها لكسب شعبية واسعة ومهمة داخل الجيش في توقيت شديد الحساسية؛ وللتعبير عن عدم الرضا عن مستوى المساعدات العسكرية السوفيتية؛ وفوق كل ذلك قدم بها البادرة التي تثبت حسن نواياه ورغبته للجانب الامريكي. لقد قام بطرد الخبراء السوفيت من جميع المواقع العسكرية المصرية.

ضربته الثانية كانت عزل وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول محمد احمد صادق. كان الفريق اول محمد احمد صادق يرى أن الجيش غير مستعد استعداداً يكافيء/يتفوق على نظيره الاسرائيلي؛ وبالتالي فهو يدفع باستمرار لتأجيل المواجهة العسكرية؛ في الوقت الذي كان الرئيس السادات قد ملك شجاعة التصديق أن ما لديه من سلاح كاف للقيام بحرب نوعية تكفي لتسخين الوضع في المنطقة الى الدرجة التي تهيء الفرصة لاستقطاب تدخل الادارة الامريكية في الازمة.

وعليه، اختار الرئيس السادات المشير احمد اسماعيل علي وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وخاض به حرب اكتوبر 73 وحقق المعجزة التي فتحت له الابواب على مسار السلام؛ وبقي له أن يفتح ابواب التنمية الداخلية..

ومن هنا ظهرت (ورقة اكتوبر) في ابريل 1974م والتي كانت بمثابة رؤية استراتيجية شاملة للدولة حتى عام 2000م والتي جاءت سياسة الانفتاح الاقتصادي كخطوة مكملة لها..

والآن حان وقت السؤال المهم: لماذا صحبتك معي في هذا المشوار الطويل من 1967م وحتى ظهور لحظات الانفتاح الاقتصادي الاولى في العام 1974م ؟

هناك نقطتان اردت ان اوصلهما اليك عزيزي القاريء:

·      اولاً، ان عملية تطور المجتمعات الحرة التي تسعى ان تمسك بناصية مستقبلها هي عملية حيوية وتنتقل بين مراحل عميقة في تحدياتها حتى تستحق حريتها الاقتصادية، وان الوصول لمرحلة الانفتاح الاقتصادي لم تكن نزهة في بستان ولا (سداح مداح) كما حاول البعض أن يصورها.

·     ثانياً، ابراز حجم جناية الجماعات الاسلامية على مسار تطور الدولة المصرية والتنمية فيها عندما قرروا اغتيال التجربة في صورة زعيمها. يكفي أن نعلم ان الدولة المصرية سبقت الصين في وصولها الى لحظة استحقاق الحرية الاقتصادية بحوالي اربع سنوات (الصين وصلت لنفس اللحظة في العام 1978م)؛ وسبقت البريسترويكا باكثر من عشرة اعوام (تولى ميخائيل جورباتشوف منصب الامين العام للمجلس السوفيتي في العام 1985م). واليوم، الصين هي ثاني اكبر اقتصاد في العالم؛ والاقتصاد الروسي واحد من الاقتصادات الكبرى على المستوى الدولي.