الأربعاء، 26 أغسطس 2020

وزراء النفط السعودي.. القصة كما لم ترو من قبل



اول وزير للنفط هو معالي الوزير عبدالله الطريقي. دخل الوزارة على خلفية الدفاع عن السيادة على الثروة الوطنية، ولكنه اخطأ الفصل بينها وبين دعاوى القومية، وكانت النتيجة هي مغادرته السريعة لمنصب الوزارة.

 

جاء بعده الشيخ احمد زكي يماني، والذي تحقق على يديه أهم ثلاث نتائج في تاريخ النفط السعودي على الاطلاق: الأُولى، استطاع قيادة المطالبة بالسيادة على الثروة الوطنية  بالطرق القانونية بعيداً عن التشنجات القومية وتوتراتها التي انهكت مستقبل الجيران في المنطقة وعرضتهم ومستقبلهم لمخاطر جسيمة. ثانياً، تحققت اكبر طفرة في الإنتاج استطاعت المملكة ان تستفيد منها في اكتساب دور دولي مهم في الحفاظ على توازن سوق النفط؛ وأن تستفيد كذلك من مداخيل نفطية كبيرة، من دور المنتِج المرن الذي هيأته لها تلك الفوائض الإنتاجية والتي كانت وراء طفرة السبعينات من القرن الماضي التي غيرت وجه الحياة المعاصر في المملكة. ثالثاً، أصبحت المملكة القوة الأكثر تأثيراً والمحرك لسياسات الأوبك بعد ان استطاع  الوزير يماني انتزاع هذا الدور لصالح المملكة - بعد أن كان تقليدياً قبل ذلك لإيران بحكم التأسيس.

 

ولكن نشوة السيطرة على مقعد القبطان في الأوبك طغت معها تصورات القدرة على التحكم في أسعار النفط في الأسواق العالمية من خلال التحكم في كميات الإنتاج. ولم يكن ظاهراً حينها بشكل واضح حجم التآكل الحاصل في جذور عمل التكتلات النفطية من تحت السطح الظاهري من خلال نشاط شركات سمسرة استطاعت أن تخلق اول صورة بدائية لسوق آنية لتداول النفط بعيداً عن تحكم التكتلات النفطية، بأن تعقد صفقات مع الدول حديثة العهد بإنتاج النفط تقوم بموجبه شركات السمسرة بتوزيع نفط تلك الدول في الاسواق العالمية.

 

بدأ نشاط السمسرة باهتاً في النصف الثاني من السبعينات، ولكنه سرعان ما استغلظ واستوى على سوقه، حتى اصبح في أوائل الثمانينات اتجاهاً استطاع أن يهز اوبك؛ ويسقط الوزير من كرسي الوزارة.

 

تولي المنصب بعده معالي الوزير هشام ناظر. اختار الوزير ناظر ذهنية الاعتماد على القدرات التنافسية لقنوات التوزيع الحديثة في أسواق النفط، والميزة النسبية الكبيرة للتكلفة المنخفضة لانتاج النفط السعودي، للخروج من مصيدة العجز عن الحركة التي تسببت فيها ذهنية سلفه. وفعلاً، استطاع تحرير المداخيل النفطية من اتجاهها الهابط عن طريق تمرير كميات اكبر من الانتاج للأسواق.

 

ويحسب له بشكل خاص قيادة سياسات نفطية ناجحة خلال فترة حرب الخليج، استطاعت ان تحافظ على تدفق الدخل، من المورد الأوحد تقريباً للدولة، بدون مطبات عنيفة في ظروف متطلبات حرب غير مسبوقة في المنطقة مسرح عملياتها الرئيسي في ضيافة المملكة وما ترتب على ذلك من ضغوط مالية غير متوقعة.

 

تعاظم اهمية سوق تداول النفط الآنية خلال العقد الذي تولى فيه الوزير هشام ناظر شجعت تصورات إمكانية الاستفادة من سياسات نفطية تعتمد على ابتسامات الحظ في سوق تداول النفط؛ وكان لابد من الباس السياسات التي تراهن على ابتسامات الحظ قناعاً من قلب الصناعة يضفي عليها الطابع الفني التخصصي؛ ومن هنا بدأ التفكير في معالي الوزير علي النعيمي.

 

بالإضافة الى مهامه، حاول الوزير النعيمي ان تكون له بصمته المستلهمة من استاذه فرانك جنجرز، الذي كان القلب المحرك الذي انجز في السبعينات من القرن الماضي الطفرة في الإنتاج والتي ساهمت في تغيير وجه الحياة في المملكة. ولكن الوزير النعيمي فشل في جانب ونجح في جانب. فشل بامتياز في إنجاح مبادرة الغاز والتي كان المأمول منها احداث نقلة نوعية في الثروة الهيدروكربونية في المملكة؛ ولكن في ناحية أخرى، نجح في إيجاد صيغة مكنت للاستفادة من طاقات أرامكو في تنفيذ بعض المشرعات التنموية الهامة للدولة، والتي انعكست نتائجها ايجاباً على نواحي مهمة من حياة المواطنين.

 

ما اضر بالوزير النعيمي هي تصوراته انه قادر على القضاء على النفط الصخري باستغلال الميزة التنافسية لانخفاض تكلفة انتاج النفط السعودي؛ ولكن تقاطع توقيت انهيار أسعار النفط المفاجيء، نتيجة سقوط الدفع الأمريكي لجهود الفوضى الخلاقة في جمهورية مصر العربية مع مشروعه، قضى على أحلام الوزير وعلى منصبه.

 

ثم جاء العملاق، الوزير خالد الفالح. لقد استطاع ترميم الأسعار وإعادة الحياة للتكتلات النفطية من خلال فكرة عبقرية بسيطة وهي تحويل معول الالتزام بين المنتجين من الإنتاج الى التصدير (كميات التصدير ذات تأثير مباشر في المعروض في الأسواق، بعكس الإنتاج الذي لا يتمتع بنفس قوة الارتباط). لقد استطاع بهذه الفكرة الرشيقة أن يعطي رافعة كبيرة جداً لتأثير التكتلات النفطية؛ واحدث ذلك طفرة غير مسبوقة في استعادة ثقة الدول المنتجة للنفط في جدوى تكتلها وقوة تأثيرها على الأسواق.

 

ولكن التكتلات التي انجحته، وخاصة التقارب مع الجانب الروسي، خلقت نظرة مزدوجة غير مريحة لدى الجانب الأمريكي. لقد تخطى هذا التقارب في تقديرها خط المصالح التجارية المجردة، وهو ما لم تحتمل التصورات الامريكية تطوراته المحتملة. وراينا بعدها الوزير يغادر منصبه بهدوء. 

جاء اخيرآً سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وهو يحمل افكاراً مثالية لما ينبغي ان تكون عليه سوق النفط، ويحاول ترويضها وتهذيبها باستخدام الفوائض الإنتاجية المتاحة للمملكة. وقد نجح في الجولة الأولى، رغم قسوة ظروفها، وننتظر له المزيد من النجاحات في منصبه.

 

          

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق