الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الحفظ عن ظهر قلب مهارة مهمة


لقد كانت مهارة الحفظ عن ظهر قلب لها مكانة مهمة في التعليم وتطور العلوم؛ فقد كانت المهارة الاساسية التي استطاع الانسان من خلالها حفظ وتداول البيانات والمعلومات والافكار عبر العصور، الى ان استطاع في وقت متأخر نسبيا من استحداث وسائل خارجية فعالة وقادرة على القيام بهذه المهمة بشكل ناجح.

وقد كانت هذه المهارة من الاهمية بمكان بحيث كان تعليم طرق حفظ العلوم جزء لا يتجزأ من مناهج اصحاب العلوم التي يقدمونها لطلبتهم (من خلال المتون الشعرية وغيرها).

فهل لا تزال هذه المهارة مطلوبة في حياتنا العملية اليوم؟ الجواب: نعم.

فلا تزال الوسيلة الاكثر تأثيرا في الناس هي القدرة على تقديم موضوعك عن ظهر قلب والطلاقة في استحضاره من الذاكرة، ولذلك لا تجد كتابا يتحدث عن تقديم العروض الناجحة يخلوا من النصيحة بالاهتمام بهذه المهارة.

وكذلك الحال اذا تطرقنا الى الابداع وصيد الخواطر، فان المواد المحفوظة عن ظهر قلب تلعب دورا حيويا مهما في هذه العمليات. فهي تعمل كالنشابات التي تمسك في الذاكرة بما يمر حولها من بيانات ومعلومات يستقبلها الشخص من محيطه، وبالتالي توفر للعقل الباطن المادة التي يحتاجها لاعادة التركيب والصياغه وابداع تركيبات جديدة من اجزائها.

وكلما كثرت المادة المحفوظة عن ظهر قلب عند شخص ما فان قدرته على الامساك بمادة اكثر في ذاكرته مما يمر به تزداد بشكل تلقائي ومتضاعف؛ وهذه النقطة الاخيرة مهمة جدا في توسيع قدرات الشخص على تحليل العالم من حوله وبالتالي تحسين قدرته على مواجهة المواقف.

لذلك آمل ان نتمكن من استعادة الاهتمام بهذه المهارة في حياتنا.

الجمعة، 27 يوليو 2012

مواقف انقذت الاسلام


مر الاسلام منذ بدء الوحي باربعة مواقف مفصلية كان غياب اي منها كفيل بان يتسبب في تعثره وتوقف تقدمه:

الموقف الاول، "فوالله لا يخزيك الله ابدا"
لا شك ان عملية بدء الوحي كانت مربكة على المستوى النفسي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم. ولولا الله ثم مؤازرة السيدة خديجة – رضي الله عنها – من خلال تقديمها دعما نفسيا عبرت عنه مقولتها الشهيرة: "ابشر، فوالله لا يخزيك الله ابدا، والله انك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الامانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق". لقد اسهمت فكرتها العظيمة والبسيطة هذه في تثبيته صلى الله عليه وسلم وتهدئة نفسه، وتأكيد ثقته صلى الله عليه وسلم في ان ما تعرض له انما هو ناموس مقدس.

الموقف الثاني، لقاء عداس
لقد بلغ صلى الله عليه وسلم ذروة شعوره بالعزلة والضعف والهوان عندما قام برحلة الطائف. وهذا واضح جدا في مناجاته صلى الله عليه وسلم التي توجه بها لله عز وجل وهو في طريق عودته منها، والتي يقول فيها صلى الله عليه وسلم:

"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك".

ولكن لقاء عداس والذي تذكره الروايات على الصورة التالية:

"قال فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه . ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ؟ قال نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه".

لقاء عداس هذا كان وبلا شك نقطة تحول مهمة في تلك الرحلة، وانعكس اثره على مسيرته صلى الله عليه وسلم في دعوته بعد ذلك. فقد لفته صلى الله عليه وسلم هذا اللقاء الى شريحة جديدة لدعوته قد يجد لديها المؤازرة، والتقدير لما جاء به – اهل الكتاب.

وبالفعل دأب من حينها على البحث في وفود الحجاج حتى التقى بوفد الانصار وهم حلفاء يهود المدينة، والذين رأوا فيه صلى الله عليه وسلم ما كانوا يسمعون من اليهود انه النبي المنتظر خروجه. وكان هذا اللقاء نواة الهجرة التي احدثت نقلة نوعية للاسلام فيما بعد.

الموقف الثالث، غزوة الخندق
حرض المنافقون من يهود المدينة قريش وقبائل العرب للهجوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونجحوا في ذلك الى حد ان جيش الاحزاب الذي وافى الخندق وصل قوامه الى عشرة الاف مقاتل!

وكادت خطتهم ان تكتمل خاصة بعدما استطاعوا اقناع بني قريظة على نقض عهدها مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم.
ولكن ارادة الله شاءت ان تعالج نتائج هذه الغزوة باسباب غير تقليدية.

فلما سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمسير جيش الاحزاب نحو المدينة استشار اصحابه. فانطق الله سلمان الفارسي بالاشارة بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة. وكانت تلك اول مفاجأة لجيش الاحزاب. فلما وصل جيش الاحزاب ورأوا الخندق وقفوا يحدقون فيه مشدوهين وقالوا: "والله ان هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها"!

فقرروا حصار المدينة. فلما طال الحصار على المسلمين حسمت ارادة الله النصر لصالح المسلمين بارسال جنود غير تقليدية الى ارض المعركة: ملائكة، وبرودة الجو، وزوابع وامطار مما اضطر معه جيش الاحزاب الى اتخاذ قرار الارتحال؛ فخطب ابو سفيان - قائد جيش الاحزاب - فيهم قائلا: "يا معشر قريش... الفينا من شدة الريح ما ترون، ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل".

وكان كذلك. فحينما أطل المسلمون في الصباح التالي من اعلى المنحدر كان السهل خاليا!

ولعل اهم اثر تركته غزوة الخندق في نفوس الاحزاب ما عبر عنه خالد بن الوليد احد قادة فرقة فرسان الاحزاب حين ذاك لابو سفيان: "ان أي رجل عاقل يعلم الآن أن محمدا لم يكذب".

الموقف الرابع، "من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات."
لقد كانت وفاة محمد - صلى الله عليه وسلم – احد اخطر المآزق التي تعرض لها الاسلام. حتى ان بعض المسلمين تسائلوا عما اذا كانت وفاة محمد – صلى الله عليه وسلم – تعني انتهاء رسالته؟ ولكن الموقف الذي تبناه ابو بكر الصديق – رضي الله عنه – حين خرج على الناس حازما موقفه من هذا الحدث الجلل بـ "انه من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات. ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت" ومناديا بين الناس بقوله تعالى: ((وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل  افئن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم  ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرالله شيئا  وسيجزي الله الشاكرين)) ومتمسكا باستمرار الرسالة التي صدقها وهي ما تزال خبرا من السماء حتى لواضطر لقتال كل من ينقلب على أعقابه عنها ترك اعمق الاثر في الناس واستطاع رضي الله عنه بموقفه هذا ان يتجاوز هذا المأزق الذي الم بالاسلام والمسلمين الى بر الامان وان يعطي حياة جديدة للاسلام في ما وراء موته صلى الله عليه وسلم.

فالحمد لله على نعمة الاسلام، والحمد لله الذي سلمه لنا، والحمد لله الذي سلمه الينا.   

الاثنين، 23 يوليو 2012

قراءة في رواية "الف" لپاولو كويلو


لقد عجزت "هلال" تلك الفتاة التركية الموهوبة أن تصبح موهبة عالمية عندما ارتاحت الى يأسها من بلوغ هدفها.

 انك تقف أمام حالات كحالة "هلال" مندهشاً، فكيف لإنسان بهذه البراعة في مجاله، تنطفيء فجأة جذوة الحماس بداخله فينتهي الى لا شيء مما كان يُتصوَرُ له.

حالات كحالة "هلال" تعاني ما يمكن تسميته " متلازمة الخيزران الصيني"؛ ففي حين يحتاج الخيزران الصيني الى ما يقارب الخمس سنوات من النمو داخل باطن الارض قبل أن ينطلق بنموه المتسارع فوق سطح الارض؛ الا أن حالات  كحالة "هلال" تيأس خلال نمو مواهبها داخل نفسها من قدوم اللحظة التي ستنطلق فيها لتختبر نموها خارجها؛ أوقد تعجزعن فهم ضرورة الاغتراب عن مواهبها وتركها لتشق طريقها خارج نفسها لتجد فرصتها في الانطلاق والنجاح. وحدهم من لا يخافون الفشل هم من لديهم الشجاعة على فطام مواهبهم من أحلامهم واختبارها في الواقع.

الناجحون يعرفون أن على الانسان أن يستفيد دوماً من حظ المبتديء في الحياة وأن يأخذوا بزمام تلك الفرص ليغزلوا منها السجاد الأحمر الذي تسير عليه نجاحاتهم الى المستقبل.

ويحترمون بكل جدية خصومهم الأوفياء الذين لا يتيحون لهم الفوز أبداً بدون جدارة.

ولا يسمحون لأنفسهم أن يخفقوا في استعمال قوتهم متى دعت الحاجة  للذود والدفاع عن موهبتهم في مواجهة الخصوم، والذي لا يسلم احياناً من ضرورة تعظيم رسالة الحب لما يمتلكون من موهبة على ألم الخطيئة.

كما يعرفون كيف يتعاملون مع شياطينهم كلما ايقظتها ضوضاء وأضواء النجاح والشهرة من حولهم.

يعرفون أيضاً أنه كان بإمكانهم وبكل سهولة تجنب كل ذلك الألم، والاستسلام للراحة واليأس من بلوغ أهدافهم، ولكنهم يدركون أنهم لو فعلوا ذلك فانه كان سيُعدِم فرصتهم في أن يعرفوا أي شيء عن صوتهم الشخصي في هذه الحياة.