الاثنين، 22 أغسطس 2016

قراءة في القضية الفلسطينية



قبل أن نبدأ حديثنا عزيزي القاريء، أطلب منك أن تتأمل في تفاصيل الخريطة التالية قبل أن تتابع القراءة.



أرجو أن تكون لاحظت أن المساحات الوردية هي المساحات التي احتلها العدو الإسرائيلي في حرب 67؛ وأن هذه المساحات هي محور كل ما تراه وتسمعه اليوم عن الصراع العربي الإسرائيلي.

وأرجو أنك تعلم أن شبه جزيرة سيناء قد تم استعادتها كنتيجة لانتصار حرب أكتوبر 73، وجهود السلام التي قادها السيد الرئيس الراحل محمد أنور السادات - وحيداً - والتي تكللت باتفاقية كامب ديفيد للسلام في سبتمبر 1978م، والتي كانت عودة شبه جزيرة سيناء أحد مقتضياتها.

وأرجو أن تكون قد أدركت أن هضبة الجولان قضية عربية بحكم المنشأ ولكنها قضية سورية بحتة بحكم الواقع، آثر النظام السوري أنه من الأسلم له أن يبقي الحال فيها على ما هو عليه – ولست معنياً هنا بمناقشة صواب رأيه من عدمه - النقطة المهمة هنا، هي أن قضية هضبة الجولان قضية أراضي سورية محتلة، وأن المشترك بينها وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة هو احتلالهما في حادثة العدوان نفسها.

بعد كل هذه المقدمة يتبقى أخيراً صلب موضوعنا، الأراضي الفلسطينية المحتلة والمتمثلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي هي موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

تجدر الإشارة الى أن جهود الراحل السيد الرئيس ياسر عرفات والجهود العربية والدولية والمقاومة الفلسطينية كان لها الدور الأساس في الوصول بالصراع الى اتفاقية أوسلو 1993م، والتي أعطت الفلسطينيين حق الحكم الذاتي على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو انتصار مهم في مسار الصراع. وقد طُبق فعلياً في الضفة الغربية بدءاً من العام 1994م باستثناء القدس؛ واستغرق حتى عام 2005م ليبدأ تطبيقه في قطاع غزة.

كان المأمول من منح الفلسطينيين حق الحكم الذاتي على الأراضي الفلسطينية هو خلق فرصة متابعة تطور ممارسة هذا الحق والتماس الاتجاه الذي سينتحي اليه، والذي كان أمامه أن ينتحي نحو نظام فيدرالي أو ينتحي الى نحو دولة مستقلة. أتصور أنه كان محاولة جادة لاستكشاف النظام الذي من الممكن أن يحمل في جيناته فرصة استدامة أكبر. ويبدوا أن الممارسة أرست أن خيار الدولة المستقلة هو الخيار الذي انتصرت طبيعته في النهاية.

ولقد رأينا انعكاس ذلك لاحقاً في منح الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية المحتلة في 2012/11/30م.

وأظن أن هذا التاريخ الأخير نقطة فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فلأول مرة في تاريخ الصراع بينهما تسقط منزلة العدو الإسرائيلي الى درجة متأخرة في قدرتها على التأثير على مسار تقدم الدولة الفلسطينية المحتلة نحو خيار الدولة المستقلة.

لأول مرة يصبح التحدي الأهم هو مجلس الأمن وانجاح التنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضمان نظام سلطة مستدام فيها وليس العدو الاسرائيلي.

الذي يجب أن نستيقظ عليه جميعاً، أن اسرائيل لم تعد التحدي الرئيس القادم لتحقيق تقدم في مسار القضية الفلسطينية. التحدي القادم هو:

  • اقناع مجلس الأمن بطلب الدولة الفلسطينية المحتلة لعضوية كاملة في الأمم المتحدة (قدمه الرئيس محمود عباس في سبتمبر 2011م).
  • وتخفيف الضغوط الحياتية اليومية والتنموية التي يعايشها أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة للتخفيف من الاحتكاكات والصراع في المنطقة بشكل يدعم تحقيق نظرة إيجابية لدي مجلس الأمن تعزز أسباب الموافقة على الطلب الفلسطيني.

اتفهم أن يجد البعض صعوبة في الفطام من صورة الصراع التقليدية، ولكنها تبقى الحقيقة التي يجب أن ندرك التغيير الذي حدث فيها لنستطيع متابعة مستقبلنا بشكل ناجح و فعال.

نبقى أخيراً مع موضوع القدس ولكنه حديث مستقل وحده.





الجمعة، 19 أغسطس 2016

د. أنور عشقي و "حديث الزيارة"


استيقظ السعوديون يوم 2016/7/24م على مفاجأة من العيار الثقيل: عودة اللواء ركن متقاعد د.أأنور عشقي من زيارة خاصة الى إسرائيل!


لقد حبس الخبر أنفاس المتابعين. وفتح الباب لتكهنات بإمكانية خروج اعلان بقبول دعوة زيارة قريبة لشخصية رفيعة (على غرار الخطوة التي قام بها هنري كيسنجر في 1971م لكسر الحاجز النفسي مع الصين وفتح الباب للانفتاح عليها؛ وما تلاها من اعلان الرئيس نيكسون أنه قد قبل دعوة لزيارة الصين وقتها بعد قطيعة وعداء استمرا لفترة تزيد عن العشرين عاماً).


انتهت حالة الترقب أخيراً بتعليق للخارجية أن زيارة مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية إلى إسرائيل تمثله شخصياً ولا علاقة لها بالمملكة، واكتفت بتذكير ببيان سابق لها عن الموضوع.


وبذلك تكون الزيارة قد انتهت الى وضع أقرب الى فشل رودلف هيس منها الى نجاح ومجد هنري كيسنجر؛ ولكن بمنعطف مهم عن محاولة رودلف هيس، وهو أننا على الأقل نستطيع أن نحمِّد للدكتور على عودته سالماً؛ القصة الأصلية كان فيها الكثير من الـ (عيش وحلاوة) – ولكن الله سلم. 





الخميس، 4 أغسطس 2016

المشهد الذي وضع نقطة النهاية لقبول الـ (الفوضى الخلاّقة)




بدأ أول ظهور علني لفكرة (الفوضى الخلاّقة) في حديث أدلت به السيدة كوندليزا رايس – وزيرة خارجية الولايات المتحدة وقتها – لصحيفة الـ (واشنطن بوست) مطلع ابريل عام 2005م.

ولا يبدو أن اطلاقها في ذلك التوقيت بالذات كان اعتباطياً؛ فقد جاء متزامناً مع زيارة لولي العهد السعودي وقتها للقاء السيد الرئيس جورج بوش (الابن). ويبدوا أنه تمت مناقشة تصوراتها أثناء الزيارة. يُنقل عن السيد دينيس روس تعليقاً على مادار من حديث في تلك الجلسة، أن ولي العهد حينها عبر عن مشاعره بصراحة عفوية مباشرة بأن الحديث أصابه بالـ (خوف!). ولكن يبدوا أن السيد الرئيس جورج بوش (الابن) استطاع أن ينجح في تهدئة نفس الضيف واقناعه أن لا شيء يدعو للقلق.

بعد ثلاثة أشهر أو تزيد قليلاً من تلك الزيارة بويع ولي العهد ملكاً للبلاد في الأول من أغسطس  2005م؛ وبالمناسبة فان يوم الأول من أغسطس يوافق يوم ميلاده أيضاً.

وتنبهت (الخارجية) للدور الجديد الذي ينتظرها، وأدركت أنها أمام فرصة مثيرة وعظيمة لتصنع ارثاً، نادراً ما يتكرر، لتتويج مسيرة طويلة من العمل الدبلوماسي لدرجة لم تستطيع معها السيطرة على نشوتها؛ حتى أنها وأثناء زيارة للسيدة كوندليزا رايس يوم 13 نوفمبر 2005م خرجت عن التقاليد المحلية واحتفلت بعيد ميلادها، وقدمت لها (تورتة) بهذه المناسبة، وغنت لها "سنة حلوة ياجميل!".

لقد كان الحدث خارج كل التصورات في حينها، لدرجة أن الصحافة الأمريكية نفسها علقت على غرابته، في بلد شديد التحفظ، ويَعتبر حتى الاحتفال بالمولد النبوي أمراً منتقداً في مشروعيته. ولكنه حدث يُظهر مدى الاستعداد للجموح في ذلك الاتجاه في ذلك الوقت.

استغرقت الأعمال التحضيرية للبنية التحتية لتنفيذ سياسة (الفوضى الخلاّقة) منذ ذلك الحين وحتى أواخر العام 2010م، حين أعلنت السيدة هيلاري كلينتون (خليفة السيدة كوندليزا رايس لمنصب وزارة الخارجية الأمريكية) خطتها لـ (الديبلوماسية والتنمية) والتي وضعت أهدافاً محددة لوزارة الخارجية في الخارج والتي تمثلت في:

§       المبادرة بالاعتماد على القوة المدنية كوسيلة غير مكلفة

للاستجابة للتحديات العالمية ومواجهة الكوارث.

§       تقوية وضع المرأة في العالم.

وبغض النظر عما قاسيناه نتيجة نجاح خطة السيدة كلينتون على نطاق عريض في العالم العربي (تونس، ليبيا، مصر، اليمن وسوريا) الا اننا يجب أن نعترف أن ادخالها للانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي كعنصر أساسي في السياسة الخارجية الأمريكية كان قراراً عبقرياً وغير مسبوق؛ وأنها فاقت تصورات كل أحد على التنبؤ بشكل جيد بقدرة هذا العنصر الجديد على تعظيم أثر حركة القوة المدنية وتحويلها من مجرد (زوبعة في فنجان) الى أعاصير قادرة على اقتلاع أنظمة.

لقد حاول الملك أن يصابر ما يجري، ورآه (مخيفاً) يوماً ما، حتى وصلت الأوضاع الى قمتها في أحداث القاهرة في 30 يونيو 2013م. كان منظر المتظاهرين في شوارع القاهرة مهيباً! ويبدوا أنه أيقن معه أن (الخوف) الذي استشعره منذ اللحظة الأولى كان حقيقياً، وأن كل التطمينات التي حصل عليها لم تُحسن فعلاً قراءة ما هو قادم. وأن ضميره الإنساني لن يستطيع أن يتحمل (الفوضى الخلاّقة) لأبعد من ذلك بعد الآن.

لقد قرر أن يلقي بثقله كله خلف دعم اختيار الشعب المصري بغض النظر عن أي تصورات خارجية له. وقام بموقف بطولي وقتها، فقد اختار أن يجنب (الخارجية) الاحراج الرسمي وقرر أن يأخذ تلك الخطوة على شخصه وبتنسيق مباشر من فريقه الخاص.

لقد وضع لقاء الملك بالرئيس على متن الطائرة الملكية على أرض مطار القاهرة في 20 يونيو 2014م نقطة النهاية لقبول فكرة (الفوضى الخلاّقة).