الجمعة، 8 أكتوبر 2021

انهيار سوق الأسهم السعودية عام ٢٠٠٦م

 

انهيار سوق الأسهم السعودية عام ٢٠٠٦م

 

هناك جانبين من كل رواية: الحكاية التي يتداولها الناس؛ والحكاية التي ترويها الآثار التي وجدت على مسرح الاحداث. 

 

في هذا الطرح لست مهتماً بسرد الحكاية التي يتداولها الناس. ما سيتم طرحه هنا هو الآثار التي وجدت على مسرح الاحداث حول انهيار سوق الأسهم السعودية عام ٢٠٠٦م.

 

البداية

 

النقطة التي تلتقي عندها بداية سلسلة ارتفاعات أسعار النفط، ومؤشر سوق المال هي الأول من مايو ٢٠٠٣م. ولإنعاش الذاكرة، فان هذا التاريخ يشترك فيه انتصار التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتحرير العراق واسقاط الحكومة البعثية العراقية لعدم اذعانها لقرار مجلس الامن الدولي رقم ١٤٤١.

 

ولكن لا توجد اثار من ذلك التاريخ وحتى نهاية أكتوبر ٢٠٠٣م على انعكاس لزيادة أسعار النفط على معروض النقود. والذي يرجح غالباً ان الشريحة السعرية التي تحرك خلالها سعر النفط لم تكن كافية لإحداث ذلك الأثر (القيمة المتوسطة لشريحة تحرك السعر ٢٨,٥٧ دولار).

 

بدأت الزيادة الحدية في عرض النقود بدء من نوفمبر ٢٠٠٣م وحتى مايو ٢٠٠٤م (القيمة المتوسطة لشريحة تحرك السعر ٣١,٥١ دولار). ورغم زيادة انتاج النفط بدء من يونيو ٢٠٠٤م (زيادة بحوالي ١٠٪ او تزيد قليلاً)، واستمرار ارتفاع أسعار النفط (القيمة المتوسطة لشريحة تحرك السعر ٤٢,٥٦ دولار)، الا ان عرض النقود استمر في زيادته الحدية حتى نهاية أكتوبر ٢٠٠٤م. هذا التباطؤ في انتقال الأثر الى عرض النقود محطة مهمة جداً فيما جرى بعد ذلك.

 

الفرق بين الماتور الكهربائي والمولد الكهربائي:

 

الماتور الكهربائي والمولد الكهربائي يعملان بنموذج واحد وعكسه لإنتاج صور مختلفة من أنواع الطاقة. الماتور الكهربائي يتم تغذيته بالتيار الكهربائي لإنتاج طاقة حركية؛ اما المولد الكهربائي فيتم تغذيته بالحركة لإنتاج طاقة كهربائية.

 

الانتباه الى هذا الفرق قد يساعد القارئ الكريم على ملاحظة التحويلة التي جرت في طريقة عمل السوق خلال الفترة بين يونيو ٢٠٠٤م وأكتوبر ٢٠٠٤م (فترة التباطؤ في انتقال الأثر الى عرض النقود)؛ وتفسير التباطؤ خلال نفس الفترة.

 

الصعود الى الهاوية

 

خلال الفترة التي سبقت نهاية أكتوبر ٢٠٠٤م، كانت استثمارات الدولة المباشرة (سيولتها) هي المحرك الأكبر للسوق (طريقة عمل الماتور الكهربائي). اما بداية من نوفمبر ٢٠٠٤م فقد كانت توصيات صندوق النقد الدولي قد بدأت في ابداء قلقها من مستويات أسعار مكونات المؤشر؛ وبالتالي شكلت ملاحظاته نوع من الكوابح على استمرار طريقة العمل على ما هي عليه، وكان لابد من نقل ضخ السيولة في السوق الى طرف آخر؛ ووقع الاختيار على المتداولين لتحريك السوق. ولكن كيف يمكن للمتداولين القيام بهذا الدور؟

 

الحل الذي فكر منظم السوق وقتها فيه، او على الأقل هذا ما تعكسه آثار ما حدث، هو تغيير طريقة عمل السوق الى (طريقة عمل المولد الكهربائي). كانت الآلية، ان تحث المؤسسة المسؤولة عن مراقبة وتوجيه النظام المصرفي حركة السيولة في (محافظ المتداولين) من خلال الموصلات التي تحتضن تلك المحافظ (البنوك). كان حلاً عبقرياً لو كان هناك فرص استثمارية أخرى خارج السوق يمكن الاستفادة من الطاقة الناتجة (الارباح الرأسمالية الناتجة عن ارتفاع أسعار الأسهم) فيها. ولكن عدم وجود مثل تلك الفرص غلظ حركة المستثمرين في السوق وقواها، وبالتالي دخلت عملية حث السيولة في محافظ المتداولين في كرة ثلجية تتعاظم مع كل حركة يقوم بها المتداولون في السوق.

 

عملية تغيير طريقة عمل السوق استغرقت الفترة بين يونيو ٢٠٠٤م ونهاية أكتوبر ٢٠٠٤م، ولذلك شاهدنا انشاء هيئة السوق المالية في يوليو ٢٠٠٤م ضمن التحضيرات لهذا التغيير؛ وقفزة فورية في عرض النقود في السوق من جديد (حوالي ٨٪ او تزيد قليلاً) بداية من نوفمبر ٢٠٠٤م.

 

مقدمات انهيار السوق في ٢٠٠٦م

 

حتى نفهم اسباب انهيار السوق في ٢٠٠٦م لابد ان نعود مرة أخرى لزيارة يونيو ٢٠٠٤م. ولإنعاش الذاكرة، فان قوات التحالف في العراق بقيادة الولايات المتحدة قامت بتسليم مقاليد السلطة للحكومة العراقية المؤقتة في ٢٨ يونيو ٢٠٠٤م. 

 

لقد كان ذلك، على الارجح، امراً حاسماً في قرار زيادة انتاج النفط، من اجل المساهمة في إعادة اعمار العراق. اما ما لم يكن في الحسبان فهو اننا سنختلف مع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة حول تسليم الرئيس صدام حسين فعلياً للحكومة العراقية المؤقتة لمحاكمته (تم في ١٩ أكتوبر ٢٠٠٥م). لقد اختلفت السعودية في توصيف الصفة الاعتبارية للرئيس صدام حسين، وحول قانونية المحكمة الجزائية المختصة التي باشرت الإجراءات القضائية؛ وبالتالي بدأ التراجع عن قرار زيادة انتاج النفط بشكل خاطف ومفاجئ بدأت آثاره في الظهور بشكل واضح بداية من شهر نوفمبر ٢٠٠٥م.

 

لقد كان لهذا القرار السياسي انعكاساته بطبيعة الحال، وأول هذه الانعكاسات هو بداية انحسار قدرة المؤسسة المسؤولة عن مراقبة وتوجيه النظام المصرفي على حث المزيد من السيولة في محافظ التداول، وبالتالي بدأ فشل حركة المتداولين في السوق عن انتاج المزيد من الأرباح الرأسمالية الناتجة عن زيادة أسعار الأسهم؛ وهنا أدرك المساهمون الكبار انهم قد اقتربوا جداً من نقطة ذروة السوق وضرورة تسييل محافظهم.

 

وبالمراجعة (بأثر رجعي)، فان الهيئة المنظمة للسوق كانت امامها فرجة، مداها من يوليو ٢٠٠٤م ونوفمبر ٢٠٠٥م، للاستعداد وتطوير ادواتها للتعامل مع تطورات السوق في ظل احتمالية حدث جوهري مثل التراجع عن قرار زيادة انتاج النفط بشكل خاطف ومفاجئ؛ ولكن شغلتها الترتيبات الإدارية عوضاً عن ذلك؛ وبالتالي، عندما اضطرت للجوء للأدوات التي تستطيع بها إدارة ومقاومة سورة كبار المضاربين لتصفية محافظهم، لم تجد غير العجز والفشل لتواجه به الموقف، واختارت طريقة مقاتلي الساموراي، حاملة معها كل من عليها الى نفس المصير.