الاثنين، 11 نوفمبر 2019

مقابلات روزفلت في البحيرات المرة - الاختيار لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية



خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية مفلسة. وكان ملحاً عليها أن تقوم بخطوتين مهمتين بشكل عاجل:

§  لملمة أطرافها المنتشرة في كل أنحاء المعمورة، وانهاء تواجدها في العديد منها؛ وأهم ما يعنينا من تلك الخطوة هما مصر وفلسطين. 
§  النجاح في اقناع أحد الحلفاء باقراضها بما يكفي وبشروط مفضلة تمكنها من الخروج من حالة الافلاس التي تمر بها.

وقد كان مقدراً أن تتقدم الولايات المتحدة للقيام بمهمة الانقاذ تلك بِقَدَم، والحلول في المناطق التي سينسحب منها الانجليز بالقَدَمِ الأخرى.

ولذلك، استحسن روزفلت القاء نظرة على التركة الانجليزية التي سيرثها في منطقة الشرق الأوسط على طريق عودته من اجتماع مالطا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ خاصة وانها فرصة سانحة للقاء شخصية أعجب بها كثيراً عند لقائها وهو الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية والتي تغطي رمالها ما كشفت الأيام لاحقاً أنه أكبر شراكة أميريكية خارج الولايات المتحدة.

لقد رسمت اهتمامات روزفلت من تلك الرحلة جدول اللقاءات التي قام بها على ظهر الطراد يو اس اس كوينسي، التي رست وسط البحيرات المرة على مجرى قناة السويس ذات يوم من شهر فبراير 1945م.

لقد التقى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود. ثم التقى الملك فاروق ملك مصر. والتقى بعدها رئيس جمهورية تركيا عصمت اينونو.

كان الرابح الأكبر من تلك اللقاءات هو جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، والذي اضافة الى الاعجاب الظاهر الذي حظي به من روزفلت، فقد حصل على ما عرف لاحقاً بـ اتفاق كوينسي.

ثاني أنجح اللقاءات كان من نصيب الرئيس عصمت اينونو، فقد اطمأن روزفلت الى تأكيدات تركيا خلعها لكل اهتمام يربطها ببقايا السلطنة والخلافة؛ ولا شك أن ذلك منحه شعوراً بدرجة مهمة من الراحة تجاه مستقبل انسحاب الانتداب البريطاني من فلسطين ونتائجه.

وكانت أسوأ النتائج من نصيب اللقاء بالملك فاروق.

فعلى المستوى الشخصي، لم يعجب روزفلت بالملك فاروق منذ بداية لقائهما، فقد كتب في يومياته قائلاً: "لا أعرف لماذا كان ملك مصر يرتدي زي أميرال أسطول بحري وهو لا يملك في البحر غير يخت للنزهة. ان فاروق يذكرني بجيل من امراء اوروبا اللذين أغرقهم الترف حتى ذابت عندهم ارادة الفعل وأخذتهم المظاهر حتى ضيعت منهم جوهر الشخصية".

وعلى عكس الرئيس عصمت اينونو الذي حافظ على حياد تركيا التام في غالبية فترة الحرب العالمية الثانية، وقاد انضمامها الى صفوف الحلفاء في الأيام الأخيرة من الحرب؛ ظهرت فلتات عديدة من الملك فاروق في سورات غضبه من السفير الانجليزي في مصر – مايلز لامبسون – كشفت عن استعداد وميل يثير الشكوك والارتياب منه بشكل متكرر نحو دول المحور.

وقد زاد التقييم سوءاً، الأطماع والثأرات التاريخية بين أسرة محمد علي والجزيرة العربية، وكذلك بين الأولى والولايات الشامية والتي تقع فلسطين في قلبها – وما يحمله الملك فاروق من ميراث لتلك الأسرة بصفته سليلها ورمزها القائم.

لقد ظهر الملك فاروق الحلقة الأضعف في سلسلة المقابلات الشخصية التي قام بها روزفلت في تلك الرحلة، وترتبت أحداث مهمة لاحقة في المستقبل أملتها تصورات روزفلت يومها لمنطقة الشرق الأوسط.





الأحد، 10 نوفمبر 2019

المقابلات الشخصية لروزفلت - الاختيار لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية





خرجت بريطانيا من الحرب العالمية الثانية مفلسة. وكان ملحاً عليها أن تقوم بخطوتين مهمتين بشكل عاجل:

§  لملمة أطرافها المنتشرة في كل أنحاء المعمورة، وانهاء تواجدها في العديد منها؛ وأهم ما يعنينا منها هما مصر وفلسطين. 
§  النجاح في اقناع أحد الحلفاء باقراضها بما يكفي وبشروط مفضلة تمكنها من الخروج من حالة الافلاس التي تمر بها.

وقد كان مقدراً أن تتقدم الولايات المتحدة للقيام بمهمة الانقاذ تلك بِقَدَم، والحلول في المناطق التي سينسحب منها الانجليز بالقَدَمِ الأخرى.

ولذلك، استحسن روزفلت القاء نظرة على التركة الانجليزية التي سيرثها في منطقة الشرق الأوسط على طريق عودته من اجتماع مالطا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ خاصة وانها فرصة سانحة للقاء شخصية أعجب بها كثيراً عند لقائها وهو الملك المؤسس للمملكة العربية السعودية والتي تغطي رمالها ما كشفت الأيام لاحقاً أنه أكبر شراكة أميريكية خارج الولايات المتحدة.

لقد رسمت اهتمامات روزفلت من تلك الرحلة جدول اللقاءات التي قام بها على ظهر الطراد يو اس اس كوينسي، التي رست وسط البحيرات المرة على مجرى قناة السويس ذات يوم من شهر فبراير 1945م.

لقد التقى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود. ثم التقى الملك فاروق ملك مصر. والتقى بعدها رئيس جمهورية تركيا عصمت اينونو.

كان الرابح الأكبر من تلك اللقاءات هو جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، والذي اضافة الى الاعجاب الظاهر الذي حظي به من روزفلت، فقد حصل على ما عرف لاحقاً بـ اتفاق كوينسي.

ثاني أنجح اللقاءات كان من نصيب الرئيس عصمت اينونو، فقد اطمأن روزفلت الى تأكيدات تركيا خلعها لكل اهتمام يربطها ببقايا السلطنة والخلافة؛ ولا شك أن ذلك منحه شعوراً بدرجة مهمة من الراحة تجاه مستقبل انسحاب الانتداب البريطاني من فلسطين ونتائجه.

وكانت أسوأ النتائج من نصيب اللقاء بالملك فاروق.

فعلى المستوى الشخصي، لم يعجب روزفلت بالملك فاروق منذ بداية لقائهما، فقد كتب في يومياته قائلاً: "لا أعرف لماذا كان ملك مصر يرتدي زي أميرال أسطول بحري وهو لا يملك في البحر غير يخت للنزهة. ان فاروق يذكرني بجيل من امراء اوروبا اللذين أغرقهم الترف حتى ذابت عندهم ارادة الفعل وأخذتهم المظاهر حتى ضيعت منهم جوهر الشخصية".

وعلى عكس تركيا التي حافظت على حيادها التام في غالبية فترة الحرب العالمية الثانية، وقامت بالانضمام الى صفوف الحلفاء في الأيام الأخيرة من الحرب؛ ظهرت فلتات عديدة من الملك فاروق في سورات غضبه من السفير الانجليزي في مصر – مايلز لامبسون – كشفت عن استعداد يثير الشكوك والارتياب منه بشكل مستمر من مناصرته لدول المحور.

وقد زاد التقييم سوءاً، الأطماع والثأرات التاريخية بين أسرة محمد علي والجزيرة العربية، وكذلك بين الأولى والولايات الشامية والتي تقع فلسطين في قلبها – وما يحمله الملك فاروق من ميراث لتلك الأسرة بصفته سليلها ورمزها القائم.

لقد ظهر الملك فاروق الحلقة الأضعف في سلسلة المقابلات الشخصية التي قام بها روزفلت في تلك الرحلة، وترتبت أحداث مهمة لاحقة في المستقبل أملتها تصورات روزفلت يومها لمنطقة الشرق الأوسط.