الخميس، 20 سبتمبر 2012

سر نجاح العقد الاجتماعي السعودي



بداية، أود أن أقدم بتعليق بسيط حول نظرية "ظل الله في الأرض".


في الهندسة الوصفية هناك تفريق بين الظل والظلال. الظل، هو الجزء من التكوين الغير معرض للضوء؛ أما الظلال، فهي حدود الظل على الأسطح المجاورة.


اذا فهمنا ذلك، ففي ظل هذه النظرية نحن أمام ثلاث مكونات: السلطان (ظل الله في الأرض)؛ والمجتمع (الذي يتحرك في ظلال السلطان)، والسلطة الدينية (التشريعية والقضائية).


في الوضع المستقر، تكون هناك حالة من التناسب بين التغطية التشريعية الضرورية وحركة المجتمع. أما في ظروف النمو والاتساع المطرد لظلال السلطان، وهو ما يشابه الوضع الذي تمر به السعودية في الوقت الراهن، فانه يحدث أحيانا أن تقصر حركة السلطة التشريعية عن مواكبة أثر ذلك من اتساع مقابل في الظلال التي يلقيها السلطان على أرجاء الحياة، ويتوسع بين أطرافها المجتمع بالنتيجة.


وحتى لا يبدوا أننا نتحدث في قضية نظرية بحتة هنا، فقد يكون من المفيد أن نشير الى أن السعودية قد شهدت حالات مشابهة في ظروف نموها السابقة – قضية تعليم البنات على سبيل المثال.


ولكن السعودية نجحت دائما في المحافظة على مرونة عقدها الاجتماعي من خلال تشجيع كل مهتم بالمشاركة الفاعلة في حركة المجتمع على تلمس رأي ولاة الأمر لاستكشاف حدود الظلال التي يلقيها السلطان على أرجاء الحياة. وساهمت سياسة الباب المفتوح التي انتهجها ولاة الأمر في خلق آلية سهلة وتلقائية للتعرف على تلك الحدود. وفي المقابل، كفلت الحصانة وفيء ظلال السلطان للحراك الاجتماعي من نفوذ أي سلطات أخرى بدون اجراءات قضائية مستقلة وعادلة.



الخميس، 13 سبتمبر 2012

تجارب المجتمع وضرورة تسجيلها



تجارب المجتمعات أشبه ما تكون بمنحنى المعرفة. بدايتها غنية بالتجارب الجوهرية، ولكن حركتها بطيئة وقاسية وصعبة، ولا تتم الا بمعاناة شديدة؛ حتى اذا تكاملت طاقتها، وتوفرت لها أسباب النضوج، فانها تتحرك بسرعة ويسر على أبعاد شاسعة، ولكن مع انخفاض واضح للتجارب الجوهرية في تلك المرحلة.


ولذلك تولي المجتمعات المتقدمة أهمية كبرى لتسجيل تجارب الرعيل الأول فيها والتي ساهمت في صنع السبيكة الأولى لهذه المجتمعات ووضعت القواعد الراسخة الذي تحركت عليها جميع الطاقات بعد ذلك.

أظن أن فترة التجارب الجوهرية في مجتمعنا هي تلك التي سبقت العام 1970م، وأظن أنه من المهم أن نستدرك تسجيل تجارب من هم على قيد الحياة من رجالها ممن كان لهم اسهام مباشر في الحركة الاجتماعية فيه. أظن أنها ثروة لا يجب اضاعتها.






الجمعة، 7 سبتمبر 2012

قراءة في كتاب: الشيخ صالح بن عبد العزيز الراجحي - مسيرة حياة

 

احياناً تمتزج بعض الخصال ببعض الاشخاص لدرجة لا تغدوا قادرا معها على تحديد ايهما يدل على الاخر، واظن ان كل من اقترب من الشيخ صالح الراجحي سواء بالمخالطة او من خلال سيرته يدرك علاقة مماثلة بين الشيخ صالح وثلاث خصال، هي: الايمان، والجسارة، والرأي المستقل.

***

 

واعتقد ان هذه الخصال نمت وتطورت داخل تكوين الشيخ صالح بحكم الضرورة لتجاوز امتحان الشب عن الطوق، ثم رافقته كاسلوب حياة اسهم بشكل مباشر في تحقيق ما وصل اليه.

 

لقد كان الايمان ضروريا لتجاوز مفازة الخوف والمجهول التي وجد نفسه فيها. فقد اسهم بشكل فعال في "عدم اكتراثه بما يشغل الناس من المخاوف التي تنشأ اكثر ما تنشا من اوهام النفس" والتي غالبا ما تحول بين كثير من الناس وحركتهم في الحياة.  

 

ومن الشواهد في هذا السياق، انه ركب يوما الطائرة برفقة ابن عم له، ويبدوا ان الطائرة دخلت في منطقة مطبات جوية شديدة، فالتفت اليه ابن عمه قائلا: يا صالح، لو مت فانت وكيلي..! فرد عليه الشيخ صالح: لن يحدث شيء انشاء الله؛ فقد صليت الوتر وقرات الاوراد! وشاهدنا من هذه القصة هو تلقائية رد الشيخ صالح، فهو يضعنا امام رجل يخوض الاخطار في حياته معتمدا على ايمان وحسن ظن بالله ليس لهما حدود.

 

ورغم ان الكثير من المخاوف تنشا من اوهام النفس، الا ان البعض الحقيقي منها اذا اطلت بوجهها الغليظ معترضة طريق الانسان فانه يحتاج الى الكثير من الجسارة للوقوف وجها لوجه في مواجهتها لاكمال مسيرته ومثابرته حتى ينهي ما بدا.

 

كذلك كنا راينا في حالة الشيخ صالح كيف دفعت به الاحداث لمنطقة مجهولة في سن حديثة في ظل غياب خبرة مشابهة بجواره مما جعله مضطرا للاعتماد والتعود على استفتاء قلبه للوصول الى راي. وبالتالي، فان كل خطوة ناجحة كان يخطوها كانت تزيد من جلاء صفحة قلبه وتدعم اعتداده برايه. ولذلك، فانه ليس من المستغرب ان يعلق المحيطين به على هذا الجانب من شخصيته بالقول: انه لم يكن "يخضع رايه لرغبات الاخرين، ولا يجعل قراره اسير أفكارهم".

 

***

 

بقيت نقطة أخيرة في تجربة الشيخ صالح الراجحي لابد من الإشارة إليها. وهي وان كانت ليست جديدة من حيث المحتوى، إلا أن قيمة الوقوف عليها عند الشيخ صالح هي كونه صاحب تجربة مباشرة فيها. ذلك انه تعرض في بداية حياته للمنع من الجلوس في السوق، والعمل بالصرافة، ولم يخرجه من تلك الحادثة إلا تأييد المشايخ لأعماله. لم تكن هذه الحادثة لتمر على الشيخ صالح دون استخلاص العبرة التي فيها، ولعل ذلك ما انعكس على اسلوبه لاحقا حيث اصبح "كثير الاهتمام بإذن ولاة الأمر، وتأييد المشايخ لأعماله إذا أراد الإقدام على مشروع معين".

 
 ***
 

اخيراً، وفي ختام الاوقات الجميلة التي قضيتها في صحبة مسيرة حياة الشيخ صالح الراجحي لا املك إلا أن اردد خلف الشيخ الدكتورعبدالرحمن اللويحق: "هذا الرجل لا يمكن أن يعرفه احد ولا يحبه".



الاثنين، 3 سبتمبر 2012

الرجل الذي رأى الغد

لست ممن يهتم بالنبوءات الا في الاطار الشرعي الذي يحكم موضوعها، ولكني تذكرت اسم هذا الفيلم وأنا أعيد قراءة قصيدة نثرية للسيد هشام علي حافظ يرحمه الله من انتاجه الذي تعود قراءه ومحبيه انتظاره بشكل سنوي في ذكرى المولد النبوي من كل عام على صفحات جريدة الشرق الأوسط. وقد كانت دوما، ولم تزل، تلفت انتباهي تلك التي نشرت في يوليو من العام 1997م، فقد كانت قطعة ذات قيمة أدبية متميزة، أضف الى ذلك، أنها من القطع الفنية التي لا يلبث القاريء أن يستشعر أن كاتبها لحظة كتابتها كان وكأنه كتبها وقد رأى الغد !