الأحد، 26 فبراير 2017

الانتصار على التدخلات الايرانية في اليمن والمنطقة



( يمكن الاستماع للمقالة عبر الرابط  )

كان يجب علينا أن نتوقع ما حدث في اليمن، على الأقل التاريخ ينبئنا بذلك.

مصر بعد انهيار الوحدة مع سوريا كانت تبحث عما يمكن أن يؤكد صورة استمرار امتداد تأثيرها على العالم العربي، وقد وجدت ضالتها في انقلاب عسكري وليد في اليمن يبحث عن راع له بقيادة العميد السلال يومها.

وكذلك عندما أوشكت ايران على التوقيع على الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، وهو ما سيقلص لاحقاً قدرتها على التعاون مع روسيا على تطوير قدراتها النووية؛ وربما شعرت معه روسيا أن ذلك سيؤثر سلباً على موثوقية الالتزام الايراني تجاه خدمة دورها في صفقتها مع الجانب الروسي من خلال دورها بالوكالة في سوريا - وهو الثمن الذي بادلته ايران مع الطرف الروسي في هذه الصفقة؛ وتمهيداً لخروجها من المشهد الرئيسي في سوريا يبدو أن ايرن كانت تبحث عن دور قادر على تأكيد صورة هيمنتها في المنطقة؛ ووجدت ضالتها مرة أخرى في اليمن في ظل ثورة لم تكتمل (ثورة 21 سبتمبر 2014م) مفتوحة على كل الاتجاهات، ويبدوا أنها اعتقدت أنها الثمرة الدانية التي تبحث عنها أو هكذا بدت لها.

ولقد كادت أن تحقق مرادها ولكن الله سلم. الفارق أن انقلاب عام 1962م استطاع أن يفاجيء العالم  ويقوم بتصفية غالب رموز السلطة الشرعية وفرض حالة امر واقع؛ أما في حالة الانقلاب الحوثي الأخير فقد تم انقاذ الشرعية في اللحظة الأخيرة؛ وبالتالي ضرب المغامرة الإيرانية في مقتل.

بالطبع في الحالتين كان الهدف أن تكون اليمن بوابة لطموحات غير مشروعة في الأراضي السعودية؛ أو على الأقل كان ذلك قراءة المحللين لهكذا ديناميكية في المنطقة.

وكما في كل الحالات المشابهة، تبقى ترتيبات فض الاشتباك بين الأطراف الخارجية من أصحاب المصالح الحيوية المتأثرة بالتغيير حول تسويات الوضع الجديد هو المعضلة!

في انقلاب اليمن عام 1962م، بقيت الرياض والقاهرة في حالة اشتباك متبادل حتى مؤتمر الخرطوم في يناير 1968م، عندما أجبرت نكسة 67 السيد الرئيس جمال عبد الناصر على قرار الانسحاب من اليمن، وبتوافق من جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز على قرار ترك اليمنيين وشأنهم لتقرير مصيرهم - في اللقاء الخاص الذي جمع بينهما على جانب المؤتمر.

والحقيقة أن تقديرات الموقف ومقترحات الولايات المتحدة الأمريكية - وباهتمام خاص ومباشر من طرف الرئيس كينيدي خلال فترة رئاسته - حول الصراع في اليمن، كانت خارقة للحُجُب على أقل تقدير في وصفها.

التقدير الأول:
أن المجتمع اليمني له نظام قبلي راسخ – وان كانت القبائل تتبادل مراكز القوة بين بعضها بحسب الظروف المحيطة – وأنه مهما تعاظمت القوى السياسية أو العسكرية في اليمن فان النصر معقود لمن يستطيع أن يحشد كتلة حرجة من هذه الولاءات القبلية خلفه بغض النظر عن أي ادعاءات بغير ذلك.

التقدير الثاني:
أن هناك تفوق كاسح لكاريزما جمال عبد الناصر على امتداد العالم العربي، كما ينسحب ذلك على القدرات العسكرية للجانب المصري وقدراته التدريبية؛ وبالتالي فان فرصة التفوق التي يمكن استثمارها على الجانب السعودي هي التقليل من احتمال اشتباكه مع الجانب المصري الى الحد الأدنى، وتسريع وتيرة التنمية الداخلية بأقصى سرعة ممكنة.

كانت التقديرات أن كاريزما ناصر وتفوقه العسكري لا يمكن الفوز أمامها الا بتحقيق فوز ساحق على مسار التنمية في مواجهتها. وهو ما تحقق فعلاً (تجدر الإشارة أن المملكة العربية السعودية عندما شاركت في مؤتمر الخرطوم كانت احد اكبر المانحين للمساعدات في المؤتمر).

أعتقد أن هذه التقديرات، والمقترحات التي قُدمت بناء عليها، مفيدة اليوم كما كانت مفيدة يومها مع ميزة إضافية لليوم: وهي النصر الذي حققته (عاصفة الحزم) بانقاذ الشرعية في اليمن.

لا مجال لانتصار الانقلابيين اليوم اذا استطاعت الشرعية في اليمن أن تحشد كتلة حرجة ملائمة من الولاءات القبلية خلفها؛ وتوجهت بشكل جاد وفوري لاصلاح الاوضاع الداخلية بالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية بالتنمية ومساندة الدول الصديقة.

ولا مجال لانتصار التدخلات الإيرانية في المنطقة طالما استطعنا ان نتقدم بشكل بائن أمامها في سباق التنمية.



الخميس، 2 فبراير 2017

المعجزة الصينية وطرح شركة أرامكو للاكتتاب العام



عندما نتحدث عن المعجزة الصينية فاننا بدون شك لابد أن نتحدث عن نقطة فاصلة في التاريخ – يوم 13 يوليو 1999م.

قبل هذا التاريخ الفاصل، عاشت الصين سنوات طويلة قضت فيها الثورة الثقافية الكبرى على جيل كامل من الكفاءات الصينية.

وحتى بعد عصر الإصلاح والانفتاح بداية من العام 1978م، فان الكفاءات التي أرسلت للتعليم في الخارج كانت في الغالب تبقى مهاجرة هناك.

ولم يعد هناك كثيرين قادرين على تصديق المعجزة التي كان يحاول أن يصنعها دينج شياو بينج في تحويل التنين الاشتراكي الى عملاق يحترم قوانين السوق وقادر على الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي وقوانينه.

حتى دينج شياو بينج نفسه لم يكن يتوقع أن تتمكن سياساته من خلق التغيير المطلوب قبل العام 2028م!

رجل الأعمال وصانع الصفقات پيتر ييپ، والذي كان يقود شركة شاينا انترنيت كورپوريشن – مقرها هونج كونج – هو أول من لاحظ نضج معجزة دينج شياو بينج، واستطاع أن يترجم ذلك واقعاً من خلال طرح احدى الشركات التابعة لشركة شاينا انترنيت كورپوريشن (وهي شركة شاينا دوت كوم) في ناسداك.

لقد كان يوم 13 يوليو 1999م - أول يوم تداول لشركة شاينا دوت كوم في ناسداك – بمثابة اعلان (بالصوت الحياني) أن معجزة دينج شياو بينج قد نضجت، وأن غد جديد للصين قد ولد!

لقد كانت مكافأة الخطوة الأولى للاندماج في النظام الاقتصادي الدولي وقوانينه لشركة شاينا دوت كوم مدهشة! ففي يومها الأول من التداول انتقلت الشركة ذات المبيعات السنوية التي لا تتجاوز الأربعة ملايين دولار الى أن تنهي جلستها الأولى وقد بلغت قيمتها السوقية 1.6 بليون دولار! وقبل أن تنتهي تسعة أشهر على ادراجها بلغت قيمتها السوقية حوالي 5 بلايين دولار!

لقد استطاعت النتائج المذهلة التي حققتها شركة شاينا دوت كوم عند طرحها للاكتتاب أن تعيد اهتمام الكفاءات الصينية المهاجرة، وإعادة تقييمها بتفاؤل للفرص المتاحة وراءهاهناك في الوطن، واستعادة الأمل في مستقبله.

كما قدمت تلك النتائج درساً قاسياً عن الفرصة الضائعة لكل الأصوات التي ظلت متشائمة ومشككة في إمكانية تحقق معجزة التحول ولم يصدقوا أن ما كان يجري من اعداد لتحقيقها كان حقيقياً.

ما هي المكافأة التي حصلت عليها الصين من عودة تفاؤل الكفاءات المتميزة بقدرات الوطن واستعادة الايمان بمستقبله؟

لقد استطاعت الصين أن تضاعف اجمالي انتاجها المحلي في الفترة بين 2000م-2016م سبع مرات او تزيد قليلاً.