الأحد، 29 يناير 2023

الاستاذ

 




اذا كان هناك شخصيات حفرت اسمها في ذاكرتي، فلا شك ان الأستاذ هو واحد منها؛ وعندما يأتي لقب الأستاذ فان معجم الأعلام يتوقف عندي عند اسم واحد لا يتعداه، وهو الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.

 

بداية اطلاعي على مؤلفات الأستاذ كانت بترشيح من ابن عمي الحبيب السيد يوسف كتبي يرحمه الله لقراءة رباعية "حرب الثلاثين عاماً". كنت شغوفاً بالقراءة، وكانت خلفيات كثيرة لما قرأت خافية علي، ولكن روعة أسلوب الأستاذ ومفرداته المبهرة كانت كافية لقطع الصفحات الطويلة بشغف حتى وان اضطررت لوضع كثير من الاحداث المروية في صناديق سوداء للعودة اليها لاحقاً لفتحها والتدقيق فيها. 

 

استوقفتني عدة محطات في القراءة للأستاذ.. 

 

فقد استغرقني وقت طويل محاولة فهم مواقف الأستاذ المربكة تجاه الدول الخليجية، ولكن اعتقد ان قراءة كتابان لاحقاً كانا كفيلان بكشف ملابسات كثير من الوقائع التي ربما تسببت في تلك المواقف. هذان الكتابان هما:

 

·      ،“Saudi Arabia and the United States: Birth of a Security Partnership”

Ambassador Parker Hart, Indian University Press

 

·     "فيصل ملكاً"، نجم الهاشم، دار سائر المشرق

 

واستغرق مني وقت أطول محاولة فك الاشتباك بين موقف الرئيس السادات وموقف الأستاذ حول حرب أكتوبر؛ واظن ان مشاركة سابقة في هذه المدونة تختصر استطلاعاً شخصياً استغرق قرابة الالف صفحة حول حيثيات الرئيس السادات في موقفه من استمرار الحرب: 

 

https://alikutbi.blogspot.com/2022/10/blog-post_23.html

 

وان سيطر التاريخ على كتابات الأستاذ، الا ان تشريحه للشخصية الامريكية الذي ضمنه كتابه "الإمبراطورية الامريكية والاغارة على العراق"١ يعد قراءة عميقة لا غنى عنها في الحمض النووي للشخصية الامريكية ومحركاتها، ودليلاً حياً وباقياً لإدارة العلاقات السياسية معها.

 

ورغم وجود العديد من الصفات التي جعلت من الأستاذ شخصية لها نسيج وحدها، ومن الصعب تكرارها، الا ان هناك ايضاً سبباً عملياً عزز من تفردها؛ فقد كان شاهدا حاضراً في التاريخ الحديث لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والشرق الأوسط خاصة، الامر الذي أعطاه مفاتيح بحث لا يمكن مجاراتها في الركام اللانهائي للوثائق المتعلقة بتلك الحقبة لم تتوفر لغيره.

 

رحم الله الأستاذ، عالميته كانت اكبر بكثير من ان تحجبها كواكب عالمنا الضئيلة التي تقاطعت معه.


١. "الامبراطورية الامريكية والاغارة على العراق"، محمد حسنين هيكل، دار الشروق




الأربعاء، 18 يناير 2023

الشيخ ابن عربي ونوبل للفيزياء

 

الحالة الموجية للمادة، المتشابكة كمياً (من نفس المصدر)، تنهار وتتصرف المادة عندها كجسيم، عندما يتم قياسها. وانهيارها ليس لوجود اتفاق مسبق بين احتمالات الحالة الموجية على هذا التحول، وانما هو ناتج عن (تخاطر آني) مع الاحتمالات الموجية الاخرى ان تنهار، بحيث لا يبقى الا الاحتمال الذي تم ملاحظته وقياسه فقط!

اذا كنت تعتقد انك قرأت الجملة خطأ فدعني اعيدها عليك مرة اخرى: ".. ناتج عن (تخاطر آني) مع الاحتمالات الموجية الاخرى ان تنهار، بحيث لا يبقى الا الاحتمال الذي تم ملاحظته وقياسه فقط"!

وعلى فكرة، هذا الكلام ليس مقطعاً مجتزا من فيلم (ثرثرة فوق النيل) او فيلم (الكيف)، وانما نتيجة حاصلة على جائزة نوبل في الفيزياء العام ٢٠٢٢م.

الشاهد، انه لطالما ذهب الشيخ ابن عربي الى أن كل الأشياء التي مرت، والحادثة، والقادمة، وكل توافيق وتباديل احتمالاتها، موجودة مسبقاً وبشكل متزامن في الممكن الالهي (العلم المطلق)؛ وأن سؤال/حال العبد هو ما يحدد اي هذه الاحتمالات يتحقق له الوجود، وتنهار امامه كل الاحتمالات الاخرى..

وان الممكن الالهي ما ينقص منه شيء، مثله كمثل ثمار الجنة كلما اخذ منها شيء عاد مكانه آخر مثله..

رأي الشيخ ابن عربي ونوبل للفيزياء، يعطيان (جرأة امل) للناس ان يغيروا ما بأنفسهم للأفضل، فاختياراتهم قادرة على التأثير فعلياً في صورة المستقبل التي سيكتب لها ان تعيش وتلك التي ستنهار وتتلاشى.