الخميس، 30 أبريل 2020

كيف وصل الرئيس السادات الى الانفتاح الاقتصادي




أظن ان أفضل نقطة نبدأ حديثنا منها هي نصيحة الرئيس كينيدي لجلالة الملك فيصل للخروج منتصراً من حرب اليمن:

التقليل من احتمالات الاشتباك مع الجانب المصري الى الحد الأدنى، وتسريع وتيرة التنمية الداخلية بأقصى سرعة ممكنة.

المهم في هذه النصيحة انها تمثل الفرق الاصيل بين نهج الولايات المتحدة ونهج الاتحاد السوفيتي مع الدول التي دارت في فلكه، والذين اغراهم بمعارك ايديولوجية على حساب التنمية الداخلية الاساسية في دولها.

وليس هناك نتيجة صارخة تعبر عن تباين النتائج بين معسكر الولايات المتحدة ومعسكر الاتحاد السوفيتي في المنطقة اكثر من نتائج مؤتمر القمة الذي عقد في الخرطوم عام 1967م. لقد كانتا المملكة والكويت هما اكبر المانحين للمساعدات؛ وكانت مصر هي اكبر المتلقين للمساعدات وخارجة للتو من خسارة عسكرية عميقة فادحة.

ولابد ان ذلك قد طبع اثراً بالغاً على تقديرات السيد الرئيس جمال عبد الناصر لاحقاً عندما حان الوقت مجدداً في ديسمبر 1969م للتفكير في شخصية مناسبة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية.

واظن ان ماجرى لابد وانه اعاد الى السيد الرئيس جمال عبد الناصر صورة السبب الرئيس الذي قامت لاجله ثورة 52م ومعيار نجاحها وهو: تحسين مستوى معيشة الغالبية العظمى المحرومة من العدالة الاجتماعية في مصر؛ وهو ما فشل في تحقيقه الدوران في فلك الاتحاد السوفيتي؛ بينما نجحت الولايات المتحدة في تحقيقه للدول التي ارتبطت بها.

ولذلك، فان التفكير في شخصية مناسبة لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية كان ولابد ان يُحضِر في الذهن ضرورة تمتعه بمرونة تسمح بتغيير ذهنيته لصالح اهداف الثورة التي فشل الارتباط بالاتحاد السوفيتي في تحقيقها؛ ويتمتع بعلاقات تسمح له بخدمة تلك الذهنية الجديدة. ولم يكن هناك من تنطبق عليه تلك الاعتبارات بأكثر من السيد محمد انور السادات.

*****
يقول الاستاذ هيكل عن السيد الرئيس السادت في بدايات العام 1972م:

وكان تشخيصه سليماً لمأزق الحل والحرب.

فالحل: في جزء كبير منه في يد الولايات المتحدة.
والحرب: في جزء كبير منها في يد الاتحاد السوفيتي.
  
والشاهد هنا تأمينه على تقييم الرئيس السادات. وهو يعطي انطباعاً عن الرأي العام الذي ساد في تلك الفترة. ولا شك أن العودة للحروب الايديولوجية، والمغامرات العسكرية الفاشلة، والوقوف في طابور تلقي المساعدات العربية على تلك الحالة التي جرت في 1967م لم يكن من الممكن ان يكون خياراً واعياً اميناً مرة اخرى؛ ولذلك بدأ البحث عن طريق بديل لتحقيق اختراق جديد مع الولايات المتحدة لتكون راعية لحل جديد للازمة.

كان فشل مبادرة روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة في العام 1971م قد اوجد قناعة لاحقة عند الرئيس السادات أن القالب البيروقراطي للخارجية الامريكية ليس لديه جديد مما يمكن ان يقدمه لحل الازمة.

ووسط حالة الوجوم والجمود تلك، وفجأة، فجر السيد هنري كيسينجر مستشار الامن القومي لرئيس الولايات المتحدة مفاجأته المدوية بنجاحه في زيارة الصين وكسر الجليد في العلاقات الامريكية – الصينية والذي انهى قطيعة دامت حوالي الربع قرن مع الصين.

هنا وجد الرئيس السادات ضالته. فقد ادرك ان اعادة طرح الازمة على الادارة الامريكية مجدداً لابد ان تكون من بوابة مستشار الرئيس لشئون الامن القومي. فعلى العكس من الخارجية الامريكية، بدا ان السيد هنري كيسنجر لديه قدرات غير تقليدية للتعامل مع الازمات الغير تقليدية، وهو ما كانت تحتاجه الازمة في الشرق الاوسط تحديداً.

ولكن المشكلة أن السيد هنري كيسينجر كانت له شروطه للتدخل في الازمات:

·        اولاً، أن يقبل طالب التدخل ان يقدم بادرة تثبت حسن نواياه ورغبته.

·        ثانياً، أنه لا يقبل الاقتراب من الازمات الا اذا كانت على صفيح ساخن، فحينها فقط يتوقع لها ان تنضج.

وبعد مرحلة من التفكير العميق؛ بدا ان الرئيس السادات خرج من عزلته وبيده الالواح التي فيها الاجابات على مسائل كيسنجر.

كانت هناك حالة من عدم الرضا في اوساط الجيش المصري عن  المساعدات العسكرية السوفيتية والتي كان الانطباع عنها انها تضع الجيش المصري متأخراً خطوات نوعية عن الاسلحة والمساعدات الامريكية للجيش الاسرائيلي..

فكانت ضربته الاولى التي اختارها لكسب شعبية واسعة ومهمة داخل الجيش في توقيت شديد الحساسية؛ وللتعبير عن عدم الرضا عن مستوى المساعدات العسكرية السوفيتية؛ وفوق كل ذلك قدم بها البادرة التي تثبت حسن نواياه ورغبته للجانب الامريكي. لقد قام بطرد الخبراء السوفيت من جميع المواقع العسكرية المصرية.

ضربته الثانية كانت عزل وزير الحربية القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول محمد احمد صادق. كان الفريق اول محمد احمد صادق يرى أن الجيش غير مستعد استعداداً يكافيء/يتفوق على نظيره الاسرائيلي؛ وبالتالي فهو يدفع باستمرار لتأجيل المواجهة العسكرية؛ في الوقت الذي كان الرئيس السادات قد ملك شجاعة التصديق أن ما لديه من سلاح كاف للقيام بحرب نوعية تكفي لتسخين الوضع في المنطقة الى الدرجة التي تهيء الفرصة لاستقطاب تدخل الادارة الامريكية في الازمة.

وعليه، اختار الرئيس السادات المشير احمد اسماعيل علي وزيراً للحربية وقائداً عاماً للقوات المسلحة، وخاض به حرب اكتوبر 73 وحقق المعجزة التي فتحت له الابواب على مسار السلام؛ وبقي له أن يفتح ابواب التنمية الداخلية..

ومن هنا ظهرت (ورقة اكتوبر) في ابريل 1974م والتي كانت بمثابة رؤية استراتيجية شاملة للدولة حتى عام 2000م والتي جاءت سياسة الانفتاح الاقتصادي كخطوة مكملة لها..

والآن حان وقت السؤال المهم: لماذا صحبتك معي في هذا المشوار الطويل من 1967م وحتى ظهور لحظات الانفتاح الاقتصادي الاولى في العام 1974م ؟

هناك نقطتان اردت ان اوصلهما اليك عزيزي القاريء:

·      اولاً، ان عملية تطور المجتمعات الحرة التي تسعى ان تمسك بناصية مستقبلها هي عملية حيوية وتنتقل بين مراحل عميقة في تحدياتها حتى تستحق حريتها الاقتصادية، وان الوصول لمرحلة الانفتاح الاقتصادي لم تكن نزهة في بستان ولا (سداح مداح) كما حاول البعض أن يصورها.

·     ثانياً، ابراز حجم جناية الجماعات الاسلامية على مسار تطور الدولة المصرية والتنمية فيها عندما قرروا اغتيال التجربة في صورة زعيمها. يكفي أن نعلم ان الدولة المصرية سبقت الصين في وصولها الى لحظة استحقاق الحرية الاقتصادية بحوالي اربع سنوات (الصين وصلت لنفس اللحظة في العام 1978م)؛ وسبقت البريسترويكا باكثر من عشرة اعوام (تولى ميخائيل جورباتشوف منصب الامين العام للمجلس السوفيتي في العام 1985م). واليوم، الصين هي ثاني اكبر اقتصاد في العالم؛ والاقتصاد الروسي واحد من الاقتصادات الكبرى على المستوى الدولي. 




الأربعاء، 22 أبريل 2020

عناصر ثوماس بيكيتي للتغيير واحداث 25 يناير



يقول وليام ماكنيل في اجابة عن احد اعقد الاسئلة التي طرحها المؤرخون: ما الذي يحرك التاريخ؟

يتحرك التاريخ عندما يغير الاتصال بالغرباء، الذين يملكون مهارات جديدة وتقدماً توقعات الشعوب، وتضطر معه الشعوب الاقل تقدماً لمواجهة القديم الموروث ومؤسساته من اجل أن تحظى لنفسها بالثروة والقوة والجمال الذي توفرها تلك المهارات المتقدمة لحائزيها.1

وقد اكتملت البنية التحتية لهذا الاتصال - كما اشار الى ذلك الكاتب توماس فريدمان - في العام 2007م. وكما يقول عنه: "نتيجة لتسارع التدفقات الرقمية ]الناتجة عن ذلك[ نرى أن الاتصال بين الغرباء صار شديد النشاط هذه الايام".2

هذا الاتصال بطرقه واشكاله الشديدة التنوع والكثرة دفع الى تجديد ايديولوجي عميق في الشارع المصري. وشكل العنصر الثاني الدافع الى حدوث التغيير في المجتمعات بحسب رؤية ثوماس بيكيتي التي تقول:

"يبين التاريخ أن التغيير لا يمكن أن يتحقق إلا عندما ]1[ يتقارب الصراع الاجتماعي والسياسي، مع ]2[ تجديد أيديولوجي عميق".3

وبقي ان يكتمل العنصر الأول من عناصر ثوماس بيكيتي وهو: الصراع الاجتماعي والسياسي؛ والذي وفرته دعاوى التوريث، وفجرته الازمة التي افتعلها الاعضاء المستقلين من الاخوان بالانسحاب من انتخابات برلمان 2010م.




1وليام اتش. ماكنيل، مقال بعنوان "الشكل المتغير لتاريخ العالم"، دورية جورنال اوف هيستوري اند ثيوري، 1995م.
2توماس فريدمان، "شكراً لانك تأخرت"، مكتبة جرير، 2018م.
3ثوماس بيكيتي، "Capital and IdeologyThe Belknap Press of Harvard University Press، 2020م.

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

حجم التباين في الدخول في الشرق الاوسط



عند محاولة طرق هذا الموضوع فان هناك سؤالين مهمين يحتاجان الى اجابة:

اولاً، ما هو حجم التباين في الدخول في الشرق الاوسط؟

وللاجابة عن هذ السؤال فان ثوماس بيكيتي في كتابه Capital and Ideology قد اورد الشاهد  البياني التالي: 
 والذي يشير الى ان العُشر الاعلى من اصحاب الدخول في الشرق الاوسط يستحوذون على 64% من اجمالي الدخل القومي.

ثانياً، هل التباين مقارنة بالامم الناضجة هو في اطار الانحراف العشوائي بينها أم انه تباين اكبر مما يمكن عزوه لانحراف عشوائي وانما  يرجع لاسباب هيكلية تستوجب العلاج؟

اذا طالعنا تباين نسبة العُشر الاعلى من اصحاب الدخول في اوروبا وامريكا في العام 2015م من اجمالي الدخل القومي في الشاهد البياني التالي:
 فاننا سنستنتج حتماً ان مستويات العُشر الاعلى من اصحاب الدخول في الشرق الاوسط خارج مجال الانحراف العشوائي بينها؛ وبالتالي فهو يرجع الى اسباب هيكلية محددة تقتضي العلاج..

          ولا شك ان احد العلاجات المجربة في مثل هذه الحالات هي الضريبة التصاعدية على الدخل.



الأربعاء، 1 أبريل 2020

قطاع الاوقاف وحلول كلماته المتقاطعة




المشهد الاول
نقلت صحيفة الاقتصادية في عددها الصادر يوم الاربعاء الموافق 24 يونيو 2015م عن رئيس لجنة الاوقاف في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة: "أن القطاع العامل في الاوقاف في السعودية اكثر من 2 تريليون دولار"..

الغريب، أن صحيفة المدينة نقلت نفس الخبر عن نفس المصدر: "أن القطاع العامل في الاوقاف في السعودية اكثر من 2 بليون دولار"!

أعتقد أن رقم الاقتصادية اكبر بكثير مما هو ممكن واقعياً، والرقم الذي اوردته المدينة اصغر بكثير من الواقع المشاهد فعلياً على ارض الواقع..

وعليه اعتقد ان الرقم الصحيح هو 200 بليون دولار، وهذا يعني أن هذا القطاع قدرته الايرادية حوالي 75 بليون ريال سنوياً.

المشهد الثاني

ذكر تقرير لقناة العربية في 20 اكتوبر 2019م: "ارتفعت مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الاجمالي الى نحو 10%".


التعليق

الناتج المحلي الاجمالي للمملكة العربية السعودية في العام 2019م قدره 785 بليون دولار، وهو ما يعادل تقريباً 2.94 تريليون ريال؛ وبالتالي فان مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الاجمالي للمملكة تقدر بـ 294 بليون ريال؛ ومساهمة قطاع الاوقاف - نظرياً - في اجمالي الناتج المحلي 75 بليون ريال؛ بمعنى أن قطاع الاوقاف يمثل حوالي 26% من وزن القطاع العقاري في الناتج المحلي الاجمالي.

هذا التركيز والوزن الكبير لقطاع الأوقاف داخل القطاع العقاري لابد أن يلفت الانتباه، خاصة اذا قارناه بالاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والتي لايتجاوز القطاع العقاري الغير هادف للربحية بمجمله الـ 6% من وزن القطاع العقاري.