الأحد، 22 مايو 2022

التحويلة الالزامية من عالم العبارة الى عالم الاشارة

 

لابد ان يكون ملفتاً ان غالبية الانبياء الاولين، من آدم الى إبراهيم - عليهم السلام اجمعين - تعرضوا او كادوا لخسارة ابن من أبنائهم نتيجة اختلاف في تفسير مراد الله. وإذا استثنينا شيث عليه السلام بحكم انه مختَلَف في نبوته، وادريس بحكم رفعه، فإنه يمكننا تعديل الجملة السابقة الى كون جميع الأنبياء الاولين وليس غالبيتهم فحسب قد انتهوا الى حادثة مشابهة بشكل او بآخر..

 

وان لم يصلنا بالنسبة لأبناء الانبياء آدم ونوح عليهما السلام أي توضيح مفصل حول سبب خسارة ابنيهما، الا انه بدا بشكل غير مباشر في حالة نوح عليه السلام وجود اختلاف في تفسير مراد الله من وعده له بنجاة اهله {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}..

 

اما اختلاف التفسير، فقد بدا كإشكالية جلية في حالة إبراهيم عليه السلام؛ وبدا بشكل واضح ان حضرة الخيال، وهي الحضرة التي يلتقي فيها الأنبياء بالروح الأمين، مصدر اساسي لهذا الاختلاف. فهي حضرة يؤخذ منها (بالتعبير) ولا يؤخذ منها (بالتفسير)؛ بسبب ما تفرضه ظروف غياب المفاتيح الثقافية (والارضية) المشتركة بين المرسل والمتلقي..

 

وتنبيه إبراهيم عليه السلام على تلك الحقيقة، بالطريقة الصارخة التي جرت، كانت بمثابة اعلان تحويلة الزامية في تاريخ البشرية؛ وتقريراً واضحاً حول الطريقة التي يريد الله منها ان يُفهَم بها مراده، بالانتقال من "مرحلة التفسير الى مرحلة التأويل، والانتقال من عالم العبارة الى عالم الإشارة".