الجمعة، 24 أغسطس 2012

الفلسفة الطبيعية والقضايا الايمانية

لم يضطر العلم في كل ما وصل اليه من تقدم حتى الآن الى الحاجة الى افتراض وجود من ما وراء الطبيعة. ومن جهة أخرى، فهناك دراسات منشورة تؤكد أن الغالبية العظمى من العلماء والعباقرة ملحدون، وأن نسبة التدين انخفضت بين العلماء من 27% عام 1914 إلى 7% عام 1998. مما شجع خطأ على التصور أن المنظور الطبيعي للعالم هو المنظور الأكثر احتمالاً للحقيقة وليس الأديان.


تبدأ المشكلة مع الأديان من حيث أن الفلسفة الطبيعية تعتمد المنهج العلمي كطريقة وحيدة للحصول على المعرفة ولا تعتبر أي وجود لكل ما وراء الطبيعة، مثل الآلهة والأرواح، لأنه لا يمكن فحص مثل هذه الظواهر الغير طبيعية مختبرياًً.


ولو حاولنا قراءة ذلك في الحالة الخاصة للدين الاسلامي مثلاًً، فان هذا بطبيعة الحال سيهدم أربعة أركان من أركان الايمان الستة، ولا نكاد نستنقذ منها الا الكتب والرسل - بحكم التواتر على وجودها ليس الا. وحتى هذين الركنين - ان نجحنا في استنفاذهما فعلاًً - اذا سقط الايمان بالله فأي قيمة أو معنى تبقى لهما. وأقول ان نجحنا في استنقاذهما فعلاًً لانه حتى الحديث الذي بيّن أركان الايمان كان جبريل عليه السلام طرف أساسي فيه.


الحقيقة المهمة التي كان يجب أن نصل اليها عند هذه النقطة هي: أن الفلسفة الطبيعية حتى اللحظة التي تستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار لا يمكن استخدامها للوصول الى الايمان. وانا أعني بكل دقة عندما أقول حتى اللحظة التي تستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار، فالقرآن يحدثنا عن امكانية ذلك فعلياًً في قصة السامري.


المشكلة الاخرى التي تظهر هنا، أن بعض العقول الساذجة ظنت أنه بإمكانها تصحيح بعض ذلك باستخدام نتائج المنهج العلمي كوسيلة لفحص ما وصلنا من الصورة الخام عن الأديان، وجعله علامة على صدقيتها. لقد اصطدم هؤلاء بسؤال عقدي أكبر، وهو: الى أي درجة يمكن الاعتماد على آلية بشرية للحكم على نص الهي ؟ ومن جهة أخرى، هل استطاع المنهج العلمي أن يقنعنا بأن كلمته هي الكلمة الفصل وأنها نهائية فيما يصل اليه ؟ لا شك أن النظرة الموضوعية للإجابة عن السؤال الأخير تدفعنا للإجابة بالنفي، ويكفي شاهداًً على ذلك الاختلاف بين مجموعة القوانين النيوتونية وقوانين الفيزياء الكمية للرد على ذلك. ونتيجة ذلك، يتضح أن محاولة استخدام نتائج المنهج العلمي لتعميق الايمان لا تزيد عن النسبة الاحتمالية الطبيعية لتأثير عدم استخدامها.


الخلاصة، أننا حتى اللحظة التي نستطيع فيها إخضاع ما وراء الطبيعة للاختبار فان الطريق السالك الوحيد الذي يقود الى الايمان هو الايمان.


والله من وراء القصد، وهو الهادي الى سواء السبيل.




الجمعة، 17 أغسطس 2012

من ينابيع الأنس بالله


لا أدري ان كان هناك كتاب من الكتب السابقة قد سبق الى استخدام هذه الطبيعة أو لا ؟

فقد استطعنا في وقت متأخر جداً تقديم المادة بشكل تفاعلي مع المتلقي، بعد أن مكنت التكنولوجيا الحديثة نسبياًً لبناء هذه الطبيعة في المواد التي يتم تقديمها..

الا أنك تندهش من بناء هذه الطبيعة التفاعلية في آيات القرآن الكريم !

فمن الهدي النبوي في قراءة القرآن..

أنه لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل..
ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ..

هذا البناء التفاعلي، وفي ظل عموم النص، مهم جداًً: فهو يخصص كلمات الله لكل انسان على حِدَه بحسب ما سأل أوما استعاذ منه، وهو نبع من ينابيع الأنس بالله.



الأحد، 12 أغسطس 2012

السيد حسن محمد كتبي



لقد كانت دائما علاقة عمي السيد حسن كتبي بوالدي علاقة "روح واحدة في جسدين" كما وصفها دائما. ومن كان قريبا منهما يعلم أن هذا الوصف لم يكن من قبيل الاوصاف الأدبية للعلاقة بينهما، بل حالة بينهما كنا نعايشها. وأحمد الله أن سمحت لي هذه العلاقة الخاصة أن أتمتع بالنشأة في دائرة اهتمامه يرحمه الله، وأن أقترب منه على الصعيد الشخصي في الفترة التي أمتدت تقريبا من عام 1998م – 2000م.


لقد أتاحت لي تلك الفترة أن أرى فكره وأعماله عن قرب، وبتعليقات مباشرة منه، بشكل زاد من عمق معرفتي به وحبي له على المستوى الانساني وليس فقط على أساس العلاقة الأسرية.

وأول ما تكتشفه فيه – يرحمه الله – هو تصوراته الواقعية للحياة. فان جميع العلوم تكتسب قيمتها الحقيقية عنده بقدر فعلها الايجابي في حياة الناس. وظهر ذلك بشكل مستمر في كتاباته، وفي رؤيته لرسالة الاسلام، فلم يقف عند حفظ علومه واقامة وظائفه، بل سعى دوما الى تقديمه كأحد أهم روافد التراث الانساني وابراز أهمية ارتباطه بالسماء بأصفى وأوثق وأجمع رباط لخير الانسانية. 

ومما يلفتك بشكل بارز في أعماله، اهتمامه بتجسيد آمال وطموحات قادة البلاد، وتفانيه في بعث الحياة فيها ورعايتها. كانت رابطة العالم الاسلامي أملا ورجاء للمؤسس المغفور له جلالة الملك عبد العزيز؛ فلم يزل يعمل بكل جهد لتنظيم الدعوة لها حتى قيض الله الملك فيصل ليدعم الروح التي بدأت بها تلك الدعوة ليتحقق أمل الأجيال بقيام رابطة العالم الاسلامي. 

ولما لم تكن ولادة هذا الكيان يسيرة في بدايته، وكان قد تعرض للكثير من المضايقات والتهم التي لحقت به في ظروف تأسيسه، فقد انبرى يرحمه الله في حركة دائبة واسفار متصلة لمقابلة رؤساء الدول الاسلامية، وحضور المحافل الدولية، والمشاركات الصحفية للذود عن أهداف الرابطة وغاياتها وتنقية سمعتها. لقد بذل كل ذلك، وقبل كل شيء، حبا واخلاصا لدينه ومليكه ووطنه، وعشقا وايمانا بالبصيرة النافذة لقادة هذه البلاد.

وقد كانت درة التاج من أعماله - يرحمه الله – دوره في مكافحة الشيوعية، وصمود السعودية أمام المد الشيوعي في فترة أوائل النصف الثاني من القرن الماضي والتي كان رائدها جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز. 

والمتدبر لرحلة الصمود تلك لابد أن يعجب بجانبين مهمين فيها:


   أولا، البصيرة النافذة لقادة هذه البلاد في اختياراتها الموفقة للنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تبنته، بالرغم مما واجهته من صراعات خشنة أحيانا للدفاع عن تلك الخيارات في حينها.


   ثانيا، الطريقة التي أديرت بها مهمة الصمود والتي نجحت بشكل فعال في تكسير الموجة العاتية التي كانت تزحف على العالم الاسلامي لتشقق كيانه وتهدم بنيانه.


أسأل الله أن يتغمد روحه الطاهرة برحمته، وأن يدخله فسيح جناته، وأن يجعله من أول الواردين على حوض نبيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم، ومن أوائل الناظرين الى وجهه الكريم.. آمين




الاثنين، 6 أغسطس 2012

طلاقة القدرة الإلهية


تصور لو أن موسى عليه السلام وجد نفسه أمام البحر وليس معه الا عصاه، ولم ير فيها الا عصاه  التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه..

تصور لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير في جذل الحطب الذي دفعه الى عكاشة حين انكسر سيفه يوم بدر غير أنه جذل حطب..

كلاهما، تناول شيئاً عادياً من محيطه الطبيعي..

وكلاهما، لم يريا فيما تناولا عصاً ولا جذل حطب..

كلاهما، اعتمداعلى طلاقة القدرة الإلهية فيما تناولا.. ففلقت العصا البحر؛ وانقلب الجذل سيفاً بإذن الله !